رؤية نقدية في ديوان الشارع الممتد شرقاً للشاعر محمد حافظ

رؤية نقدية في ديوان الشارع الممتد شرقاً للشاعر محمد حافظ
بقلم
جابر الزهيرى
عضو اتحاد كتاب مصر

عندما شرعت في كتابة رؤيتي النقدية لديوان الشارع الممتد شرقاً للشاعر محمد حافظ جال بخاطري هذا التساؤل : ما شأن ذلك الشارع ؟ و أين نهايته ؟ و لماذا يمتد ناحية الشرق خاصة و ليس إلى أي جهة أخرى من الجهات الأربع ؟ و لماذا اختار الشاعر هذا العنوان ليعنون به ديوانه على الرغم من عدم وجود قصيدة تحمل نفس العنوان ؟
ووجدتني أتابع لوحة الغلاف متأملاً ذلك الشخص ( الشبح )السائر نحو اللاهدف وليس أمامه في الأفق سوى شجرة يابسة لا أثر للحياة بها و ليته جعلها هدفاً له بل سار مبتعداً عنها !!!
وجدت شيئاً بداخلي يهمس فيّ قائلاً : ربما يسير إلى الموت !
ومن هنا بدأت في تعقب ظاهرة الموت في الديوان و كانت النتيجة أن الشاعر لم يترك قصيدة من قصائد الديوان إلا و ذكر فيها الموت حتى الإهداء لم يخل من ذكر الموت !!!
أربع و عشرون قصيدة احتواها الشارع الممتد شرقاً ذكر فيها الموت بلفظه أربع و أربعين مرة (مادة مـ و ت ) بمشتقاتها و بمرادفاتها أحدى و خمسين مرة مثل : الحتف و الردى و المنية و اغتيال و القتل و الشنق و الصلب ...... و غيرها من المرادفات و بإشارات إليه تسع و ثلاثين مرة مثل : القبر و اللحد و العويل و توابيت و النعش و سرادق العزاء و أكفان و ثوب الحداد ......وغيرها و بالإشارة إلى ما يؤدي إليه من آلات ثمان و ثلاثين مرة مثل : حرب و سيف و مشانق و خنجر و بندقية و مدافع و سلاح و سهم و أقواس و بركان و غيرها فكان المجموع مائة و اثنتين و سبعين مرة
كما أفرد الشاعر قصيدة للموت وعنونها (مدينتي و الموت ) بالإضافة إلى قصائد الرثاء (كبد يتلوى و شموخ و ما قبل الغرق ) و الأدهى من ذلك رثاؤه للغة العربية و للشعر العربي
كل شئ نراه قد مات في الشارع الممتد شرقا ًفالرمل مات وماء النيل مات كذلك ......
هل مات رملك أم ترى
ماتت مياه النيل
مثل الناس في أوطاننا
هماً و قهرا
وها هو يبدأ قصيدة معنونة بـ حياة قائلاً:
يا مرحبا بالموت إن هو أقبلا فهو الحياة و ما سوى الموت البلى
و برغم وجود قصائد تناهز ثلث الديوان تحمل أسماء مؤنثة مثل : وفاء و ليلى و خلود و بهية و أمنية و بلقيس و حياة .......... و الأنثى هي رمز النمو و الخصوبة و الحياة و الإنبات إلا أنها هنا صورة للموت !!!!
و كأن الشاعر يجيب على سؤال توقع طرحه فقال :
الموت في الرحم
فالطفل في مدينتي يشيخ قبل أن يغادر الرحم
و الشيخ في مدينتي يموت قبل أن يغادر الرحم
الموت في الرحم
وها هو الشعر يموت :
أنى يدور فنعش الهدم يرصده و موضع الخطو أوحال و أنجاس
و اللغة العربية ماتت أيضاً:
هي أحرف بادت و ما عاد الزمان يريد لبس عباءة الأموات
لكنه يصور في قصائد أخرى بالتضاد فالموت هو الحياة و العكس فنراه في رثاء الشيخ أحمد ديدات يقول :
ما مات من أعطى الحياة بحكمة التنوير إكسير الحياة
و في رثاء شيخ المجاهدين عمر المختار يقول :
يموت بالجسم لا بالروح .......
و في ما قبل الغرق يصور الطفل الذي لم يصبه سهم الموت بالمحتضر الذي يبحث عن النجاة من الموت على يد والديه الغريقين !!!!
و كأن الشاعر يقيم فلسفته في الموت ( هدم من أجل بناء ) فالموت عند محمد حافظ عبارة عن مرحلة تمهيدية لبعث جديد لكل
ما يأباه الشاعر على صورته الحالية
فجعل هذا الشارع عبارة عن سفينة نوح التي ستنجو بالقيم الباقية في المجتمع من الطوفان و تمر فوق الرفات و الأشلاء متجاوزةً للصراخ و العويل قاصدة مدى أثر رحابة ًقد دعا إليه عندليب الشعر عندما نصحه بلملمة لحونه لأن المدى صمم ليصل في نهاية الشارع إلى شمس البعث الجديد ليتأملها لحظة الشروق حاملاً معه نبوءة بعودة شيخ القبيلة و معه لغة قوية
فخطى التقدم تكون بغير ما لغة تنير الدرب للخطوات
ومعه عندليب الشعر
يخط بالحرف الأصيل لنا طريقاً لا يحيد
لقد أجاد محمد حافظ في اختياره لعنوان الديوان و انتقاء قصائده و في فلسفته للموت المؤدي للحياة مع إشراقة شمس البعث المنشود

جابر الزهيري
نشرت هذه الرؤية النقدية بالعدد رقم 575 بجريدة اللواء العربي الدولية بتاريخ 28 / 3 / 2008