soadat مبدع كبير
عدد المساهمات : 814 نقاط : 1462 تاريخ التسجيل : 15/01/2010 العمر : 70
| موضوع: د . محمد أبو الغار الإثنين يونيو 27, 2011 7:06 am | |
| محمد أبوالغار وسيرة الجبل بقلم: د. صلاح فضل 392 كانت ثورة يناير بمثابة قيامة صغيرة, أسودت بعدها وجوه كثيرة كانت تطفو علي سطح الحياة العامة دون حياء لتصنع من المفاسد ما تشاء, وتوهجت وجوه أخري كانت بيضاء من قبل, لكن الناس لم يكونوا مدركين لشفافيتها حتي خرجت كاليواقيت من نار الثورة, وفي مقدمة هؤلاء النبلاء شخصيات مثل محمد أبوالغار وجورج اسحق وكوكبة لا تحصي من الجيل الذي تلوث سمعه وبصره وبقي محافظا علي نقاء مصريته وطهر ذمته وجمال سلوكه. ولا أعرف لماذا لم ألتفت إلي كتاب محمد أبوالغار علي هامش السيرة سوي في طبعته الثانية التي صدرت إبان الثورة, ربما كان من حقي أن اعاتبه علي ذلك, فهو يعرف حبي وتقديري له منذ سنوات فاكتشفت فيه إلي جانب العالم المناضل المثقف المرهف, ولم اختبر قدرته علي الكتابة الأدبية حتي طالعت سيرة الوطن في رحلته التي تتميز بصدق اللهجة ووضوح الرؤية وعمق التحليل, مما يحول الأحداث العادية فيها إلي مادة للتأمل, تنتقل من الخاص إلي العام بفكر سلس وموهبة لاقطة وعين لا تلهيها التفاصيل عن اللوحة الكلية الشاملة. ومع أن هذه الهوامش ـ كما يسميها ـ قد كتبت فصولها منجمة منذ سنوات 2002 حتي 2009 طبقا للإشارات الواردة في صلبها فإنها قد كتبت بروح ثورة يناير من غلبة الهم الوطني وبروز الحس النقدي, لذلك يقول في تقديمها لم أقصد كتابة سيرة ذاتية, لأني لا أعتقد أن سيرة حياتي تستحق أن تنشر في كتاب, ولكني أردت أن أكتب عن مجموعة من الأحداث التي سمعتها من آبائي والتي عايشتها بنفسي وكلها تحكي أحداثا حقيقية وتجسيدا من لحم ودم ولكن في النهاية وجدت أن ما كتبته هو نوع من السيرة الذاتية ولكن الوطن يلعب فيها دور البطولة والأهم من ذلك أنه يدرك أن الكتابة مهما كانت موثقة وأمينة فلا يمكن أن تخلو من الخيال. إذا كانت المحن هي التي تبرز جوهر الإنسان عندما تنصهر في وجدانه تيارات الآلام والمواجع الشخصية والعامة فإن كاتبنا يتذكر إصابته بحمي التيفود في طفولته بالمنيا ولم يكن لها علاج ناجع في ذلك الوقت, فكانت نسبة الوفيات بسببها مرتفعة, وقد استمرت الحمي والنقاهة عدة أسابيع حتي شفيت. ويحكي لنا الكاتب بأسلوب شيق وذاكرة حادة ظروف زواجه من الفتاة السويدية كريستيفا التي تعرف عليها خلال عمله الطبي في مصر, واضطر للإلحاح علي والديه بدافع الشهامة لاستضافتها في بيتهم إبان حرب يونيو 1967 لحمايتها من تيار التحرش بالأجانب, وكيف أنها ذهبت يوم 4 يونيو مع السيدة روكسانا اليونانية الأصل, أرملة الشهيد شهدي عطية لسماع أوركسترا القاهرة السيمفوني الذي عزف في تلك الليلة السيمفونية الخامسة لبتهوفن واسمها المصير فالتقت هناك بالصحفي الكبير محمد عودة وإذ به يخبرها بأن الحرب ستبدأ غدا, فأخذت كلامه جديا واتصلت بخطيبها أبوالغار وتركت له رسالة بهذا المعني طلبت منها أن تتوقف عن الطريقة السويدية في تصديق كل ما يقال, وحدثت الواقعة وصدق عودة ولاقت مصر مصيرها ليلة أن عرفت سيمفونية المصير لبيتهوفن كما لقي أبوالغار نفسه مصيره, إذ لم يلبث عقب استضافتهم لصديقته السويدية أيام النكسة المريرة أن يتزوجها في فترة انعدام الوزن كما يسميها وكما يصفها تفصيلا بدقة مذهلة يندر أن نجده في مذكرات الشخصيات التي تعرضت لها بالتفصيل وبالمنظور الوطني المتجرد. وعندما ذهب بعد ذلك في بعثة علمية للدنمارك لم يتعلم الكثير كما يقول في أصول مهنة الطب لأنه حتي ذلك الوقت كان مستوانا بالنسبة للأطباء الأوروبيين والأمريكيين ممتازا, وكان كم المعلومات الذي نعرفه بعد امتحان الدكتوراة في مصر كبيرا, وللحق فإن معظمها كان معلومات نظرية لم نطبقها ولا نستطيع تطبيقها لظروف كثيرة, وقد قمت بتطبيقها هناك لكن ما تعلمته واستفدت منه حقيقة كان طرق البحث العلمي وأهميته وضرورة أن يكون الطبيب علي علم بكل جديد في كل لحظة, وعرفت أن الطبيب الأكاديمي الذي لا يقدم جديدا في البحث العلمي لا يحتفظ بهيبته ولا كيانه, ولن تصبح له أهمية في الأوساط العلمية المحترمة من هنا كانت ملحمة الدكتور أبوالغار منذ منتصف الثمانينيات في مشروعه الرائد في عالم أطفال الأنابيب التي يفرد لها الفصل الأخير من سيرته بتواضع جم ومصداقية عالية, لكن حسه الإنساني الرفيع يسجل في نهاية هذا الجزء الأول من رحلته الخصبة سطورا كان قد خطها إثر وفاة والده الإرادية بعد أن غلبه وهن الشيخوخة وكف بصره ورفض أن يكون عالة علي غيره فأغلق فمه عن الطعام والشراب, هذه النهاية الدرامية المشحونة بالأسي والإعجاب والإيمان ترقي بمستوي الذكريات إلي مرتبة الابداع, ولو اكتملت لها شجاعة البوح بالتجارب الشخصية الحساسة لأصبحت من السير الرفيعة الممتعة. المزيد من مقالات د. صلاح فضل | |
|