السلطان نبهان يطلب إحسان

السلطان نبهان يطلب إحسان
ويختفي من سندستان
فاطمة المعدول
رسوم هنادي سليط
الراوي : لم يكن يوما عاديا مثل كل الأيام في سلطنة سندستان فهويوم لم تشرق فيه شمس ولم تهدأ
فيه رياح ، فالعاصفة قوية وشديدة والرياح اقتلعت الأشجار والأزهار والرعد صوته عال يخيف الكبار والصغار
، والبرق يظهر في السماء في ومضات سريعة وأصبحت سندستان تعيش في ظلام.
وكان السلطان" نبهان" حائرا قلقا يريد أن يخرج إلى شعبه ويطمئن على أحوال الرعية والبلدوانتظر حتى هدأت العاصفة قليلا فقررأن يترك قصره في الحال . حاولت السلطانة "حبهانة" ان تجعله ينتظر حتى تهدأ العاصفة تماما ولكنه رفض .
ورفض أيضا أن يصاحبه أي من أولاده أو الحرس
خرج السلطان نبهان بمفرده وتبعته ابنته الصغيرة" حبة الرمان " كانت حبة الرمان طفلة صغيرة رقيقة وقصيرة وشعرها أحمر مجعد وكانت أكثرأبناء السلطان اختلاطا بالشعب .
حينما رأى السلطان نبهان حبة الرمان ابتسم إنها إبنته الصغيرة وأقرب أولاده إلى نفسه ثم مد يده لها ..أمسكت بيده
فغاصت يدها الصغيرةجدا في يده الكبيرة جدا جدا .سارت حبة الرمان مع السلطان" نبهان" في الرياح الشديدة وخاضا في أوحال الأرض
وكان حجم التدمير كبيرا . كان السلطان نبهان يتساءل بصوت عال وغاضب:
لماذا لم يخرج أهل" سندستان" حتى الأن لقد هدأت العاصفة قليلا لماذا لم يبدأوا حتى الآن في إصلاح التدمير؟
عاد السلطان" نبهان "إلى قصره وهو غاضب وشارد يفكر ماذا يفعل .انتظر السلطان نبهان حتى عاد كل شئ كما كان .
ثم دعا شعبه إلى لقائه ، وألقى خطبة طويلة ثم أصدر بيانا أدهش أهل سندستان وكل البلدان المحيطةوالجيران إن السلطان" نبهان"
يطلب إحسانا !!
فالخزائن فارغة والبلاد تعاني من الإفلاس وإيمانا منه بأن أهل سندستان يجب أن يتبرعوا لينقذوا وطنهم من الإفلاس ،والظروف الصعبة لم يطلب منهم مطالب كثيرة بل طلب من كل عائلة أن تتبرع لسندستان باعز وأغلى ما لديها .. شئ واحد فقط .ولا يريد أموالا بل أغراضا مما يستخدمه الإنسان وقد حدد السلطان الزمان بعد ثلاثة أيام في ساحة الميدان للإجتماع واستعراض تبرعات أهل سندستان
كان الطلب غريبا . جعل أهل سندستان في حيرة واندهاش بعض العائلات حددت أغلى ما عندها للتبرع به في سهولة ويسر
ولكن كانت هناك مشاحنات ومشاجرات في أغلب العائلات .. زوجة شهبندر التجار لا تريد أن تتنازل عن الحلي والذهب الذي تتزين به وزوجها يرى أنها أغلى ما عندهم وهي تقول له : بل أغلى ما عندنا بضاعتك التي تخزنها تحت الأرض من الحرير والقطن والصوف والكتان ..
شهبندر التجار : ومن أين نعيش ونأكل إذا تبرعت ببضاعتي ؟
أما رئيس شرطة النظام فيريد ان يتبرع بالسجادة العجمية التي يملكها .. ولكن أولاده يريدون التبرع بالصينية الفضية التي يضعونها في صحن المنزل في أجمل مكان .
ومعلم السلطنة يريد أن يتبرع بكل أمواله التي يحتفظ بها هو وعائلته .. ولكن زوجته تقول له :
إن أغلى ما تملك هو كتبك فتبرع بها بدلا من أموالنا .
معلم السلطان : وإذا تبرعت بكتبي فمن أين أستقي علمي وكيف أعلم الأولاد الفقه واللغة والجبر والحساب ؟
صوت صراخ شديد من إمرأة الجزار : لا لا إلا النجفة النجفة المصنوعة من الفضة والكريستال خذ غيرها
الجزار يأخذ النجفة ويمضي
كانت هذة الأيام هي أصعب ثلاثة أيام على أهل سندستان فالمشاحنات يومية والصراخ والعراك بين العائلة الواحدة ، لأن
أفرادها مختلفون على ما يتبرعون ولكن أغلب ذلك في بيوت الأغنياء فهم يمتلكون أشياء كثيرة وغالية وثمينة كان الإستغناء عنها يحزنهم .
أما الفقراء فقد كان الاختيار أسهل وأسرع ، فمن لا يملك أشياء ثمينة وعديدة لا يتحير ولا يحزن كثيرا
وفي اليوم الموعود وفي ساحة الميدان زحفت الجماهير الغفيرة لنجدة سندستان وكان منظرا عجيبا وفريدا فهناك من حمل قفصا من الدجاج ومن حمل فوق رأسه حزمة من أعواد القصب ومن جاء على عربة تجرها أحصنة محملة ببضائع عديدة ومن حمل صندوقا فيه مجوهرات ومن حمل سجادة فخمة أو سجادة رخيصة .
وقف السلطان وسط الساحة وكان معه المساعدون الذين طلبوا من الشعب الوقوف
في هدوء ونظام حتى يستطينع السلطان أن يسير بيسر وأمان
تقدمت عزيزة الطفلة الصغيرة ومعها كيس صغير
بعض اللأصوات تهمهم : لابد أن في الكيس مجوهرات غالية صوت آخر : بل في داخله ماسة كبيرة
صوت آخر : بل هو كيس يجلب الحظ والخير الوفير
طفل صغير : إن بداخله حلوى لذيذة هي أغلى ما عندها وأنا أيضا أحب الحلوى.
السلطان: سكوت ، الهدوء الطفلة تخرج حبات من القمح الأصفر وتنشرها فوق الرءوس
صوت : يالها من طفلة مخادعة لقد أحضرت للسلطان شيئا رخيصا
عزيزة : لا ليست رخيصة ‘إن حبات القمح غالية ونفيسة وهي أيضا لذيذة إني أزرعهاوأرويها وأقلب الأرض وأنظفها
من الآفات حتى تكبر وتصبح سنابل تتطلع إلى أعلى حيث الشمس الذبية حتى تنضج ثم نحصدها وندرسها ونطحنها فنصنع منها الخبز والفطائر التي نأكلها أناوأمي ثم نبيع في السوق دقيقا ناعما جيدا أو خبزا وفطائر شهية لذيذة لنشتري ما نحتاجه طوال العام .. إنها أعز ما أملك وأعطيها وأنا راضية وسعيدة لمولاي السلطان .
السلطان : باركك الله ورعاك يا عزيزة .. احتفظي بحبات قمحك وازرعيها واصنعي منها خبزا وفطائر لنشتريه منك في القصر فأنا مشتاق لتذوق طعم خبزك وفطائرك اللذيذة .
منيرة الضريرة : مولاي السلطان إني أقدم لكم المعزة" ميمي" فهي تفرح لفرحي وتحزن لحزني وهي تسليني وتسعدني وتعطيني لبنها الذي
أشرب منه وأصنع منه جبنا أبيعه وهي تسي أمامي فهي عيني التي أرى بها هي أعز ما أملك وكنني يا مولاي السلطان أعطيها لبلادي وأنا راضية وسعيدة
السلطانة حبهانة : ولكن كيف ستعيشين وتسيرين بدون معزتك" ميمي"؟
منيرة الضريرة : سأتوكأ على عصا بدلا منها وسأغني بمفردي حتى أجد معزة أخرى
السلطان ضاحكا : اذهبي أنت ومعزتك وسيري في طريقك بأمان وسأنتظرك لأسمع غنائك العذب
همهمات تسري بين شعب سندستان : لماذا لم يأخذ السلطان التبرعات ولماذا يختار الفتاة الصغيرة والمرأة الضريرة
ولا يأخذ التبرعات من الأغنياء ؟
يتقدم طفل أخر ومعه كيسا به ألعاب من اختراعه فهذة عربة صغيرة تمشي فوق الماء وهذة صنارة تصطاد السمك دون طعم
السلطان وهو سعيد وفرحان :يا حراس رتبوا مكان في القصر للطفل لبيب حتى يخترع المزيد من الأشياء المفيدة وسيتقاضى راتبا يساع
ده على المعيشة هو وأسرته.
السلطان يذهب للشيخ الجليل : الشيخ عرفان معلم السلطان ويقوم السلطان بتقبيل يد الشيخ عرفان
: مرحبا بمعلمي وأستاذي . الشيخ عرفان : أتيت إليك يا ولدي لأعطيك أعز ما أملك وهو المشورة والنصيحة
السلطان نبهان: إني أقبلها وأعتز بها يا شيخي ومعلمي .
الشيخ عرفان : يا أهل سندستان اعلموا أن الله يساعدكم لو ساعدتم أنفسكم ويجب أن يتحمل الجميع المسؤلية كل على قدرطاقته كل الشعب رجالا ونساءا وشبابا وأطفالا
الشيخ عرفان يقول ذلك ثم يمضي ويصعد الجبل ويختفي عن الجميع .
السلطان نبهان : ياأهل سندستان لقد جمعتكم اليوم لأعرف كيف تفكرون وماذا تقدمون لبلدكم الحبيب وقد تعلمت درسا عظيما وهو أن أعظم ما يملك الإنسان هو العمل والإرادة والعلم والإيمان
صاح الجميع : نعم يا مولاي بالحب والعمل والعلم والإيمان نبني سندتان
الفصل الثاني
اختفى السلطان نبهان من سندستان وبحث عنه الجميع دون جدوى اجتمعت السلطانة حبهانة بأبناءها وردة وحكيم وحليم وحبة الرمان و بالوزراء
وتساءل الجميع كيف سنعيش بدون السلطان وهو المسؤل عن الأمن والأمان وكل شئ في سندستان
تساءلت السلطانة حبهانة :
ماذا سنفعل ؟ أحوال البلاد تتدهور ولا نعرف حتى الآن مصير السلطان
حكيم وحليم ابنا السلطان: يجب أن نخرج الآن فورا لنبحث عن والدنا الشلطان فلعله أصابه مكروه
وردة بنت السلطان : حماك الله يا أبي العزيز من كل
مكروه .
حبة الرمان : كفاكم بكاءا إن أبانا السلطان قوي وشجاع وأنا متأكدة
أنه يريد لنا أن تعتمد على أنفسنا ألم تتذكروا حينما طلب إحسانا ليعرف كيف يفكر الناس في سندستان ..
السلطانة حبهانة : كلامك يا ابنتي فيه كثير من الحكمة إذن يجب أن نعلن عن اجتماع طارئ وهام غدا في ساحة الميدان.
المنظر ساحة الميدان السلطانة حبهانة : تعلمون أن السلطان نبهان اختفى من سندستان فما رأيكم
أصوات هرج ومرج وفوضى شديدة . منيرة الضريرة تبدأ في الغناء ومعها ماعزتها ميمي حتى صمت الجميع
السلطانة حبهانة : علينا أن نكون يدا واحدة حتى نستطيع أن نناقش أمورنا وننقذ بلدنا سندستان
الجميع يتحركون في هدوء التجار في مكان والمعلمون في مكان خاص بهم وكذلك فعل القضاة ورجال الأمن وكل طوائف الشعب
السلطانة حبهانة : الآن نبدأ المقترحات والأفكار : قاضي القضاة : ليتحدث مندوب عن الفلاحين
فلاح كبير في السن ينادي على الطفلة عزيزة لتتحدث . الطفلة عزيزة : مولاتي السلطانة شعب سندستان العظيم نحن نحب أرضنا فهي
أمنا ونعيش من خيرها نريد أن نحافظ على الأرض ولا نبني فوقها بل نبني بعيدا في الصحراء
أصوات تتعالى : فعلا يجب أن نحمي أرضنا .
شهبندر التجار يقف ليتحدث ولكن الشاب خالد بن سمعان يطلب الحديث والأصوات تؤيد الشاب خالد فيجلس شهبندر التجار وهو زعلان
طلب الشاب أن ينتقل السوق خارج البلدة وأن تقام سوق جديدة أوسع وأنظف تعالت صيحات الإعجاب بأفكار الشاب خالد
بعد ذلك وقف كبير المهندسين ليرشح المهندسة علية للحديث باسم المهندسين : يجب أن بيوتنا في أماكن بعيدة عن المدينة لأن المدينة اكتظت بالسكان وعلينا أن نزرع الأشجار والبساتين للننعم بالهواء النقي والبيئة النظيفة
شيخ الصيادين : أرجوكم حافظوا على حياة سندستان فالمياة هي الحياة لا تلقوا بالقمامة في البحيرات فالمياة نشرب منها ويعيش فيها السمك الذي ناكله والدلافين التي نحبها ويسعد بها الأطفال
تعالت الأصوات : نعم نعم يجب أن نحافظ علىالمياة
الشيخ عرفان معلم السلطان :
حسنا يجب أن نضع هذة الأفكار والآراء في كتاب كبير يعرف فيه كل واحد حقوقه وواجباته حتى تنتظم الحياة ولا تحدث فوضى
وهذا الكتاب هو الدستور الذي يجب أن نسير عليه جميعا .
صفق الجميع وهللوا للشيخ عرفان .
وتكونت لجنة من الشيخ عرفان والمغنية منيرة والطفلة عزيزة والطفل لبيب ورؤساء الطوائف ومعم السلطانة حبهانةواثنان من الوزراء
ورئيس اللجنة قاضي القضاة
وتشكل الدستور الذي هو عبارة عن كتاب يرتضيه الشعب حكاما ومحكومين فيه كل القوانين والحقوق والواجبات
فهو ينظم الحياة بين جميع أفراد الشعب
وفجأة ظهر السلطان نبهان : الحمد لله الآن أستطيع أن أستريح وأموت في أمان لقد أصبحتم شركاء في الحكم والحقوق والواجبات
وبذلك أصبحت سندستان بلدا يعيش فيه كل إنسان في سلام وأمان حسب دستور البلاد .
تمت