السقوط والانغلاق في تكات الخريف
· دراســـة في مجموعة في مجموعة " تكات الخريف· " للقاصة – صابرين الصباغ· **************************************************** - عالم الإبداع الأنثوي يعج دائماً بالمتشابكات والتنازع فيه كثير . فالمبدع أنثى لها تكوين عقلي وفكري ونفسي وإرث ثقافي اجتماعي عرفي ثقيل . كل هذا الحضور له دلالات في الإبداع النسائي وربما هذا أدى إلى ظهور مصطلح النقد النسوي أو النسائي الذي ظهر مع ظهور كتابات كل من فرجينا وولف وسيمون دي بفوار . كانت الكاتبات تسرن في حركة تحرير المرأة ونيل حقوقاً في نظر الغرب ليست هي أهلاً لها من وجهة نظر القانون وبعض طقوس الفئات الدينية . ثم ما لبثت أن ظهرت مصطلحات نقدية تسير في ركب هذا الاتجاه مثل الجنوسة ويختص بنقد الإبداع من زاوية إذا كان المبدع ذكراً أو أنثى وكذلك مصطلح الجنثوي أو الجنس الأنثوي . نعود إلى مصطلح الأدب النسوي هل هو الذي كتبته أنثى بصرف النظر عن المضمون أو ما هو مطروح في الكتابة ام هو الأدب الذي يتحدث عن الأنثى حتى إن كان الكاتب رجلاً كل هذه التشابكات تضعك على أول سن اللهب حين تدخل إلى قراءة إبداع كتبته أنثى .
- في مجموعة " تكات الخريف " للقاصة – صابرين الصباغ الصادرة عن سلسلة أدب الجماهير عام 2005 بإشراف المبدع فؤاد حجازي . تضع القاصة نفسها في صف المبدعات بما لديها من حرفة في السرد وبطولة اللغة اللذان يشكلان محوراً هاماً ثم التشخيص وهو إعطاء الجماد شخص البشر واستنطاق لسان هذه الكائنات الجمادية ثم تنتهي إلى الإنغلاق من وعن الآخر .
[1] الأطروحات :
تتجاوز في هذه المجموعة كثير من الموضوعات التي تطرحها الكاتبة والتي غالباً هي مأخوذة من الحياة البشرية اليومية المكررة الطرح والتناول فإن كانت هي تناولتها في قالب لغوي يُحسب لها جعل بطولة اللغة تغفر هذا التكرار على الرغم من أن عناوين معظم القصص إن لم تكن كلها كاشفة للعمل فهي تضع العنوان الذي يعطيك المضمون الفكري والموضوعي للنص وهذا يعد عيباً فنياً – الموضوعات الغالب تناولها لدى الكاتبة هي برود الحياة الزوجية بين الزوجين في قصص " الحلم المذبوح – ينبوع الحب – الأبواب الباردة " والبطولة في هذه القصص للأنثى التي تتحمل هذا البرود من أجل الأولاد فهي دائماً الفاعل الصامد والمفعول به المتحمل – لأن الحياة بها برود فغالباً ما ينعكس ذلك إلى التكرار والملل في قصص " أدوار – قبر دنياي – اللون المسفوك" هذا الملل ربما يدفع الأنثى إلى السقوط المبرر في قصص " أيام لك ويوم عليك – عندما يذوب الجليد – فراشة تمتص رحيق الأشواك " حين يتلاقى هذا الثلاثي الملل والبرود والسقوط مما يؤدي إلى وجود طبقة المستغلين لمن هم في حاجة إلى من يطبب الجراح . لكن هؤلاء المغتالون يغتالون الأنثى في قصص "سوق البكاري – طعنة قبلة – الحياة ورقة – السوق – فراشة تمتص رحيق الأشواك – أحقاد تسبح في نهر السذاجة " ثم تطرح الكاتبة سقوط الضمير الإنساني في قصص " شبح خرصاني – النافذة – الحياة ورقة – الزير – الملعقة "
رغم كل سبق تتجه الأنثى للبحث عن الحب طبقاً لما ترويه أسطورة الخلق أن الآلهة خلقت كائناً نصف أنثى ونصف ذكر فتنازع الطرفان على الزعامة فغضب زيوس كبير الآلهة من كثرة الجدال والصراع فقسم النصفين وشتتهما فخرج كل نصف يبحث عن الآخر . حين اكتشف لا حياة بدونه هكذا يجئ البحث عن الحب في قصص " قرينة الروح – ثياب اليتم – ملاذي – طعنة قبلة – هدية – نبوغ الحب " وإن تعددت زوايا ومفاهيم الحب في البحث عن الأم – الحبيب – الابن – الصديقة – الأب .
[2] الســـرد :
قبل أن يكون النص منتمياً إلى جنس ذكوري أو نسائي إنه ينتمي إلى جنس أدبي له سمات أسلوبية فالشكل الأدبي هو الآمر الذي يفرض الأنماط التعبيرية وتوجد هذه الأنماط في خطاب المبدع لأنها جزء من هوية الخطاب الأبداعي تمسك الكاتبة صابرين الصباغ بحرفة السرد فهي توظف اللغة من خلال إضفاء لسان على الأشياء الجماد وتبث فيها روح الحياة مرتكزة إلى وجود الآخر الأنثى أو الرجل وتعتمد كثيراً على لغة الأنا الذات الفرد أو الذات الجمع ففي 24 نص من مجموع النصوص البالغ 34 تروى بلغة ولسان الأنا مع تنوع في الموضوعات مستغلة سيكولوجية الغلق عن الأخر هذا النمط من السرد تمارسه بحرفة بلا افتعال رغم الزخرفة اللغوية والصور القصصية التي تجئ دقيقة ليست بهدف استعراض الذات لكنها تتجاور كثيراً مع حرفة قصيدة النثر لذلك يجئ الخطاب السردي متقناً حرفة التشخيص فحين تصور حالة الكتابة والقلم في صورة مقيصة مبهرة تقول في صـ 34 مازلت أحبو صغير قلمي يتعلم السير حثيثاً على الأوراق .
في قصة " قبور لها قضبان " يجئ السرد صادقاً صادما في حوار الأنثى البنت – هناء – مع الأنثى الأم فنرى تجانس السرد مع الحوار فتقول في صـ 82
أفيق بعد رؤية تلك المشاعر التي تتحرك أمامي بقبضات توجهها إلى وجداني فيئن وجعاً التفت لأمي .
- لماذا نحن هنا ، هل نزور أحد ؟؟ ألنا أقارب مدفنون هنا ؟؟ من يستحق كل هذا العناء ؟؟ آخبريني .
تدك حائط الصمت بحروف زادت الحوائط ارتفاعاً وقوة وثباتاً يالتها صمتت للأن .
أخر هذه النماذج في " الحياة ورقة يعتمد السرد الجارف على تدفق الحزن الجارح ثم ينتهي بالغلق الذي هو حالة انغلاق على الذات وإنغلاق عن الآخر الذي يعلن نصره فتقول في صـ 30 ماتت داخلي الأمومة – انتحرت – ارتديت ملابس الحداد على رفيقتي الراحلة شعرت برحمي داخلي ينكمش ، يستحي من ، يبكي بحزن. ثم تصل إلى لحظة النهاية وستار مظلم في صـ 31 فتقول سعيد بفوزه ، تركني وحيدة أحمل عقمي الذي صار رفيقي في دنياي بعدما رحلت أمومتي بغير عودة ، رحل أغلق الباب بعدما رمقني بنظرة .
[3] الحضور الأنثوي :
يحظى الحضور الأنثوي بنصيب كبير يتوفر في المجموعة ليس مرتكزا على أن الكاتبة أنثى لكنه حضور في المضمونات الفكرية والموضوعات فيوجد واحد وعشرين نصاً يتناول الانثى كفاعل ومفعول به حين يتحدث عن برود الحياة الزوجية وسقوط الأنثى واغتيال الانثى كذلك يتوفر الحضور الأنثوي في البطولة فمعظم قصص المجموعة البطولة فيها اليد العليا للأنثى في ستة عشر نصاً كذلك للأنثى حضور طاغ في السرد فالأغلبية من القصص تروى فيها وتسرد أنثى .
[4] البطولة :
يقسم بعض دارسي الفن القصصي القصة القصيرة تقسيماً قديماً فتوجد قصة الحبكة وهي تعتمد على البناء وحبك الموضوع ثم قصة الموضوع التي يكون فيها المعادل الموضوعي والطرح الفكري هو المسيطر على النص . ثالث هذه البطولات هي قصة الشخصية التي تكون الشخصية هي محور النص وأخيرا قصة التقنية والتكنيك التي غالباً يكون حضور الكاتب فنيا من خلال تقنية النص بينما يرفض البعض هذا التقسيم متعللا بأنه لا يمكن الفصل بين هذه العناصر كل على حده ويرد الطرف الأول بأن هذا التقسيم ليس ذبحا للنصوص ولا يقصد به الفصل الجزافي بين الأجزاء الفنية المتجاورة تلقائياً في كل نص .
4-1 بطولة الموضوعات والصراع :
يغلب على قصص المجموعة أنها قصص موضوعات مع استغلال تقنية بسيطة مناسبة معتمدة على كم السرد والنمط الأسلوبي المتدفق فالصراع بين العناصر النفية تعاوني متجانس يساهم في بناء النص داخلياً . يتوفر الصراع الذي طرفه أنثى تصارع من أجل الحفاظ على كيانها كأنثى ثم التي تصارع من أجل البقاء في حياة زوجية بلا برود .. أطراف الصراع ليس نقيض الأنثى وهو الرجل لكنها ربما أيضاً أنثى مثلها في قصة " أحقاد تسبح في نهر السذاجة " صـ 62 ، 63 تقول
أه لو ترينها تتحدث عنه لعشقته ألف مرة . وحجبته عن أعين النساء
- ماذا تقولين ، يراها كأخته !
- المهم كيف تراه هي
- افيقي يا إمرأة قبل أن تأكل شواطئ هنائك أمواج غيرتها تتجمد مشاعري من برودة رياح هبت من حديث جارتي .
4-2 بطولة التقنية : تجئ التقنية طبيعية معتمدة على الحكي والحبك في السرد قائم على شكل الاستطراد المستمر فلا تستشعر حرفة في التقنية لأن السائد العام عادي ولا توجد تقنية خاصة بالكاتبة وكل النصوص لها تكنيك واحد ما عدا تقنية الحلم في قصة " الحلم المذبوح " صـ 76 تقول : ترى نفسها تقود سيارتها ، بشارع كله مطبات مؤلمة تنظر للحبيب الذي ينتظرها بشارع مليء بشجر الحب فاتحاً ذراعيه شوقه ليحتضنها ، تقود سيارتها مسرعة إليه ، ترى خمسة أجساد ينامون بعرض الشارع .
- أمي لا تقتليني .
تستيقظ فزعة على صرخة عالية ينتفض على أثرها الزوج يأخذها بين ذراعيه .
وترتحل الكاتبة إلى تقنية أخرى وحيدة ثابته في نص " سوق البكاري " معتمدة على تقنية الرؤية السينمائية التي تتجاور فيها المشاهد في وقت واحد فتصور العروس في حالة من الانهاك لإنتهاك أدميتها من خلال العريس – الرجل – الضد وباقي أهلها والنساء والفتيات – المجتمع – يراقبن المشهد دون انفعال أو رد فعل وهذا الجمع المجتمع هو خليفة الكومبارس في المنظر والسيدات المتآمرات اللائي يدخلن مع العريس في مسرح الاغتيال كما تصورها الكاتبة فتقول صـ 19 الفتيات وجدتهن لاتظهر عليهن أي انفعالات لا خوف لا ألم نظرت للعروس بشفقة فقد اهدرت كرامتها أمام الجميع لاحظت العروس نظراتي وشدة غرابتها فقالت .
- لا تخافي المهم الثقة بالنفس
قالت لي هذا بالذات لتخفي خجلها من دماء وجهها المراق مازالت أي قطرات دم العروس تتساقط ليتغير لون فستانها الأبيض.
4-3 بطولة اللغة :
اللغة في العمل القصصي هي لغة السرد ثم لغة الحوار بين الأشخاص والبطولة المقصودة هنا هي بطولة لغة السرد المتقنة لدى الكاتبة ببراعة فاللغة نظام متكامل تشكله مستويات الصوت والصرف والدلالة والكاتبة تركب هذا كله فتلضم حبات المفردات لتعطيك عقد رائعاً رغم أنه أحياناً يكون منقوع بالدم فأخذ صبغة دموية حقيقة . ثم إن هذه اللغة لها القدرة على استيعاب الاستخدام الفردي .. واللغة هنا لها ذوق خاص فترسم صوراً قصصية تجعل أن يتسلل إلى ذهن القارئ أن الكاتبة مارست قصيدة النثر أو تفاعلت معها . في قصة السوق صـ 47
نخرج ، نتزاحم من خلف أبواب العهر ، بزي صيادي الليلة تفر عيني عليهم لتقرأ ملامحهم ، تقف نظراتي على وجه التصقت به هو نفس الشخص الباسم ، الصامت دوماً ترتطم نظراتي بالباب لأفيق .
[5] الانغلاق وحضور الآخر :
5-1 الإنغلاق :
هو أحد النتائج المترتبة على ما يصل إليه الوضع بين الأفراد فينزع الفرد إلى الغلق على نفسه وإن سار بين الناس جميعاً تعبيراً عن اللاجدوى أو اللاحل في هذه المجموعة يوجد الانغلاق بمستويات متنوعة فيوجد انغلاق الأنثى على ذاتها انعزالي عن الآخر الضد أو الذكر في " الحلم المذبوح " الأنثى ترضخ وتغلق على نفسها وترضى بما هو موجود . في الأبواب الباردة " تقول أغلق عليّ بابي / يغلق عليه بابه . في " أيام لك ويوم عليك " تقول : يحمل ثمرة شجرتنا بطرق بها أبواب المحاكم . إذن الآخر يغلق أبوابه في وجه هذا المولود في " نافذة الحياة " لا أرى سوى فضاء واسع يستعمر مكانها رغم أن الفضاء يريح إلا أنه رمز القطع والخراب فقد قطعوا الشجرة التي كانت بمثابة نافذة فالفضاء – الخراب – أدى إلى إغلاق النافذة . في " طعنة قبلة " سنأخذ الطفل وعمره عامان . حين ذهبت لتبني طفلاً ليفتح لها نافذة على الحياة لكنها ارتدت إلى ما كانت عليه . في " الحياة ورقة " تقول . رحل وأغلق الباب " العقم الأنثوي أدى إلى عقم حياتي . في " الجاهلي " تقول أراه يرتدي ملابس الجاهلية . هذا التلميذ يرتد إلى الماضي فيغلق ملابسه – الأبواب – الجاهلية على نفسه في قصة " قبر دنياي " أهرب من كل شيء . أترنح من العناء . أغلق على نفسي بابها .
في " نبوغ الحب " شعر بتقصيري نصحني بالعودة كما كنت فجأة أهملني غير عابئ بي – لقد دعاها إلى العودة وفي العودة غلق إلى الماضي كما في " الجاهلي "
في " سخرية لعبة " الصمت لغة الموت ، هل هناك غلق أمر من الموت . فالصمت غلق والموت غلق , وأيضاً في نفس القصة بجوار زوجي في السيارة . الصمت يغطي على صوت محركها فالصمت هنا يغلق على صوت المحرك . والأثنان يغلقان عليها .
5-2 حضور الآخر :
لا يتوقف حضور الآخر عند نقيض الأنثى – الذكر – فهناك الآخر المؤنث من نفس الجنس فتوجد الأم في قصة " ملاذي – ثياب اليتم " وتوجد الجارة الخاطفة والجارة الناصحة في " أحقاد تسبح في نهر السذاجة " وكذلك النساء والفتيات في " سوق البكاري " وتوجد قرينة الروح المطلوبة في " قرينة الروح " والجارة المستغلة للأنثى في " فراشة تمتص رحيق الأشواك " هذا الحضور ساهم في بناء الأعمال فنياً .
- أما الآخر – الذكر – الرجل اما حافظة نقود في " الحلم المذبوح " و " الأبواب الباردة " أو مهمل ومستهتر في " الأبواب الباردة " و " سخرية لعبة " و " قبور لها قضبان " أو جبار خائن في " سوق البكاري " و " الزير " و " احقاد تسبح في نهر السذاجة " ومستغبل في " فراشة تمتص رحيق الأشواك " وهو ناضح في " نبوع الحب " وكذلك هو مطلوب وهو المسعى إليه في " الأبواب الباردة " و " قبول لها قضبان " و " نبوغ الحب ".
وأخيراً حضور الزمن فأغلب النصوص مكتوب عن موضوعات من الحياة المعاصرة ثم الزمن الماضي متواجد في قصص ( تكات الخريف – الجاهلي – " هكذا تجئ المجموعة بكل مستويات الإبداع من لغة وسرد وإنغلاق وحضور .
القاهرة في 24/4/2008 رمضان أحمد عبدالله