الحرمان في الولد الذي تخطى السور
· دراســـة في مجموعة : الولد الذي تخطى السور· للقاص : جهاد الرملي · ____________________________________________ - تمثل حياة الكاتب رحلة ممتدة زاخرة بالخبرة الحياتية والإبداعية . تأتي هذه الرحلة بين شطآن الثقافة العامة والإطلاع والواسع على ما أنتجه الفكر الإنساني عامة وما أنتجه خيال المبدعين خاصة بالإضافة إلى الممارسة الإبداعية للكتابة فتعطي هذه الشطآن منتجاً عالي الجودة يستطيع الكاتب من خلاله تقديم نفسه بشكل لائق لجمهور القراء والمبدعين ليقف بين الصفوف على أرض لا تخر من تحته . عادة ما يكون الوليد الأول هو دليل المرور بين تزاحم ساحة الإبداع بمركبات تحمل إنتاجاً جهورياً خال من اللمسة الفنية فيأتي هذا الإنتاج ليس سوى صراخ وزعيق ما يلبث أن ينكشح مع توقف تلك المركبات في أقرب إشارة حمراء ثم تتلاشى نهائياً . أما تلك التي تؤصل لنفسها ممراً بارزا تثبت وتمر بسلام مهما اعتراها من وقفات مرورية نقدية . ينطبق هذا على مجموعة القاص جهاد الرملي "الولد الذي تخطى السور " وهي المجموعة الأولى له الصادرة عام 2009 عن دار سندباد للنشر والإعلام تحت إدارة مدير النشر القاص الروائي المبدع خليل الجيزاوي . تحتوي قصص المجموعة على خمسة عشر نصاً تحمل تواريخاً من عام 1983 إلى 2008 مما يوحي أن قصص هذه المجموعة كتبت متفرقة على مدار خمس وعشرين عاماً وربما هناك قصص أخرى لم يضعها الكاتب داخل هذه المجموعة أو ربما تكون هي كل ما أنتجه القاص خلال ربع قرن .
[1] عند لوحة الغلاف :
تحظى رسومات لوحات الأغلفة بمعاني هامة لأنها أحياناً تكشف عن معنى عام للعمل الفني أو تحمل ملامحًا درامية وشعرية كأي عمل إبداعي داخل ديوان أو رواية أو مجموعة قصصية . تأتي لوحة غلاف المجموعة هنا لتعطي مدلولاً هاماً فالرسم عبارة عن ولد من سن العاشرة حتى الرابعة عشر تقريباً كما تقول ملامح الوجه .
يرتدي جلباب أوسع من حجم الجسد يظهر صدر الولد من الفتحة الواسعة للجلباب . يجلس فوق شيء مرتفع عن سطح الأرض يضع على ركبتيه فاكهة الشمام قام بقطع شريحة منها ممسكاً بهذه الشريحة في يده اليسرى وسكين بيده اليمنى بينما تنظر العينان على اليمين . الجلباب ممزق عند الساقين مما يظهرهما مع القدمين الحافيتين . يجلس الولد في صمت ووحدة ليطرح أسئلة هل تلك الفاكهة غنمها ؟ أو كيف جاءت إليه ؟ لماذا تمزق الجلباب؟ هل الولد عائد من مكان محظور ؟ فتلقى جزاءه ؟ أم هرب من شيء أو هرب من مكان ما ؟ أم هو الحرمان من هذه الفاكهة ؟ وهل السكين للدفاع عن شيء أو لمجرد تقطيع الفاكهة فقط ؟ كل هذه تساؤلات تطرحها لوحة الغلاف .
[2] الموضوعات :
تتعدد الأمواج والبحر واحد هكذا تأتي قصص المجموعة ذات موضوع واحد هو المسيطر وله الغلبة هو الحرمان بكل مستوياته منذ الطفولة فالولد الذي تخطى السور محروم من الأب والأم قام الشارع بتربيته حتى حرمته الشوارع من عطف صاحب الكشك الذي يعمل فيه طوال اليوم حين يصر الولد على تخطي المحظور سور الفيلا المجاورة للكشك ليأخذ فقط قطعتين لحم فائضتين من طعام الكلب ليحطم بذلك تطلع القارئ وتساؤله لماذا يريد الولد أن يتخطى فهو يغامر بحياته من أجل قطعة لحم ولا فرق بين حرمان الكبير والصغير فالرجل ذو السادسة والثلاثين يعاني من الحرمان من الزواج والحرمان من الحصول على شقة ليصبح بذلك الرجل العانس بعد أن طرق أبواب الجرائد والمجلات بحثاً عن زوجة تملك شقة في (خطبة الوداع) يعطي مدرس التاريخ عبرة وعظة عن حياة الرسول والفتوحات الإسلامية . كان يتمنى أن يترك حكمة أو عظة لأولاده لكنه مات تاركاً لهم ولنفسه الحرمان من الأب وخبرات الحكم . في (أبو عجلة) موظف يحتل موقعاً إدارياً ذا شأن في شركة لا يجد ما يشتري به سيارة مثل باقي الرؤساء حتى أن خطيب أبنته يستحي أن يرى حماه على عجلة وحرمان باقي الموظفين من شراء سيارات ليدركوا أن عليهم الانتظار خمسة عشر عاماً أو عشرين لادخار ثمن سيارة وعليهم الانتظار خمسة وعشرين عاماً أو خمسين عاماً لإقناع الناس بفائدة الدراجة ويستمر الحرمان في (الرهان) شاب حُرم رضاء والده الذي راهن أنه لن يفلح رغم ذلك ينجح في المقامرات والرهانات حتى يكسب رهاناً أن صديقه سينجو من الموت رغم حالته الخطيرة لكنه المراهن يُحرم من حياته بفعل سيارة تدهسه .
في (حاجة ساقعة) موظف يفند الميزانية ويضع بنوداً ويتنازل عن مصاريفه النثرية ويحرم نفسه من أشياء كثيرة لكي يقتصد يسير مسافات طويلة رغم الحر والعرق . تنازعه نفسه أن يشرب زجاجة مياه غازية ثم يشرب بديلاً عنها عرق سوس لأنه أرخص لكن شعوره بالعطش والحر يتواصل . حتى يضطر إلى شرب كوب عصير محاولاً اقتحام سور الحرمان . حتى أستاذ الجامعة طاله الحرمان في (قرار) فهو يحرم نفسه من الزواج رغم الصراع بينه وبين نفسه واتخاذه قراراً بالزواج إلا أنه يعود إلى قواعد أفكاره سالماً حين تذكر أولاده الثلاثة ليواصل هو تربيتهم بعد وفاة زوجته منذ خمس سنوات . حين لا يجد الإنسان دخلاً بعد فصله من عمله في (قطرات العرق) بعد أن نجح صاحب المصنع في طرد عم إسماعيل وشراء ذمم أصدقائه ولم تنصف المحكمة الموظف المحروم من العمل فلم يجد حلاً من أن يقف في بهو المحكمة يبيع الأوراق والطلبات والدمغات . تتطلع الزوجة إلى عودة زوجها في (الصيفي والشتوي) فهي تستبدل الملابس الشتوية بأخرى صيفية وترتبها في الدولاب استعداداً لاستقبال الصيف أثناء ذلك يغلب على تفكيرها عودة زوجها من إحدى دول الخليج حيث يعمل حتى لو جاء بدون هدايا أو ملابس صيفية – الفساد يتسلل إلى كل شيء حتى الفاكهة والخضار في (حديث ذو شجون) يثير الكاتب حرمان الإنسان من النقاء والطهر حتى في الشيء الذي سوف يلقيه إلى معدته . حين يتلاقى الأصدقاء في (سرادق عزاء) هم محرومون من صديقهم فمن يكون عليه الدور حين يتلاقى أصدقاؤه في سرادق عزاءه – تأتي أصوات المساجد الجديدة العالية المتداخلة لتعلن حرمان ذلك العائد من صوت المؤذن القديم لتطرح حرمانا من الأصالة وتداخل الجديد في حالة من الارتباك .
إذا كان الإنسان يسير في طريق ومحبوبته في طريق فيوجد "طريقان" متنافران متعاكسان لذلك يُحرم كل منهما من الآخر لاختلاف المسارات .
[3] التقنية :
3-1 الحبكة : يوجد تقسيم لأنواع القصص القصيرة يرتضيه البعض ويرفضه البعض الآخر . يقوم هذا التقسيم على تنوع القصص بين قصص موضوعات وقصص شخصيات وقصص مكان وقصص مواقف وقصص حبكة أو تقنية . إذا نظرنا إلى قصص المجموعة بمنظور هذا التقسيم نجدها قصص موضوعات وإن كان يغلب عليها جميعاً أنها قصص موضوع واحد هو الحرمان كما سلف القول لأن تركيز الكاتب الأساسي هو التعبير عن فقد البسطاء لأدنى متطلباتهم اليومية والحياتية فالحبكة والمواقف هنا واحد لكن تأخذ اللغة هنا مساحة تعبيرية هامة في توصيل ما يود الكاتب قوله في كل مستويات الموضوع والشخصيات .
3-2 السرد والحوار : من مقتضيات الحديث في التقنية لابد أن يتطرق الحديث إلى السرد والحوار باعتبارهما من الأدوات الفنية للقاص – من حيث السرد اعتمد الكاتب في معظم قصصه على طريقة السرد المباشر التقليدي والسرد عنده طويل جداً يغلب عليه طابع لغوي ممتد الجمل وهو متواصل تفصل الجمل فيه فاصلات مقلوبة كثيرة للعطف حتى يصل إلى نهاية الجملة لينتج بذلك سرد ممطوطاً ذا طابع روائي إلى حد كبير فهو غالباً يسرد بحرفة روائي مما يدل على أن الكاتب لديه ميول روائية بل ربما كتب روايةً قبل ذلك .
تتراوح أوجه السرد كما يلي .
1- سرد مباشر في قصص (الولد الذي تخطى السور – في السادسة والثلاثين – خطبة الوداع – قرار – الصيفي والشتوي – الرهان).
2- سرد بلغة الأنا الجمع في قصص (أبو عجلة – حديث ذو شجون) .
3- سرد بلغة الأنا الفرد في قصص (طرابيش – الصوت القديم – سرادق عزاء)
4- سرد معتمد على التذكر في قصة (الدرس) .
5- الحوار قليل جداً لاعتماده على السرد وأحياناً كثيرة حوَّل الجمل الحوارية إلى جمل سردية كاملة في نص (أبوعجلة) فلا يحظى بذلك الحوار باهتمام كبير لدى الكاتب .
3-3 التشخيص : يخضع التشخيص لثقافة ووعي الكاتب وقدرته على الغوص داخل أعماق ونفسية الشخصية التي يصورها أو يروي عنها وإبراز ملامحها بدقة شديدة .
قدم القاص هنا مجموعة من الأشخاص النمطية دون عناء أو جهد. صحيح أنه نجح في إبراز الملامح العامة لكل شخصية لكنه اعتمد على العبارات الطويلة التي تعطي ملامحاً خارجياً فتأتي هذه العبارات وصفية تكرر المعنى والمضمون ذلك لأن القصص قصص موضوعات بالدرجة الأولى يتضح ذلك في شخصية الولد الذي يريد تخطي السور .
تأتي ملامحه طبيعية عادية لصورة أي متشرد فهي نموذج وكذلك تأتي شخصية الموظف محدود الدخل والشاب العانس والمدرس المالل لما يكرره دوماً والزوجة المتطلعة لعودة زوجها إلى جانب الشخصيات الأخرى التي استقاها الكاتب من الواقع فجاءت كما أراد لها أن تكون فيمكن أن تقرأ عنها في الجرائد أو تشاهدها في الشارع والحياة ومقار العمل مما يعطي إنطباعاً ، أنهم شخوص عاديون فربما يستثيرك كل شيء في هذه النماذج البشرية التي قدمها فتتعاطف معها وربما تشعر بالملل من هذه النماذج مكررة الصنع وتشعر أيضاً أن البطل واحد في كل قصص المجموعة .
[4] مأخذ على المجموعة :
لا يخلو أي عمل من الملاحظات ربما تبقى مجرد وجهات نظر خاصة .. بعض الملاحظات كالآتي :
1- السرد طويل مترهل ممطوط يتضح ذلك في قصص (الولد الذي تخطى السور – في السادسة والثلاثين – خطبة الوداع – الرهان).
2- في قصة (حاجة ساقعة) مشهد رغبة شرب زجاجة مياه غازية طويل للغاية .
3- في نص (قرار) يلف ويدور حول نفس الموضوع كثيراً القصة القصيرة لا تحتمل هذا السرد الطويل الزائد عن الحاجة الفنية.
4- بعض الزيادات مثل :
- صـ 33 أخر خمسة سطور
- صـ 50 أخر خمسة سطور
- صـ 51 أول تسعة سطور يمكن إعادة الصياغة وحذف الكثير .
5- بعض الأخطاء :
-
صـ 7 سطر ( السجاير والصحيح السجائر .- صـ 47 سطر (5) راقده والصحيح راكدة
- صـ 92 السطر الثاني عن ما والصحيح عما
رغم هذه المأخذ لقد أستطاع القاص أن يقدم وجبة قصصية تليق به كأول عمل يجعله يقف بين المبدعين الواقعين ونتمنى له أن يقدم لنا تنوعاً وتميزاً أكثر في أعماله القادمة .
تمت بحمد الله
رمضان أحمد عبدالله
10/2/2009