أنا
قصة قصيرة
رائد قاسم
[rtl]- اخرج من بيتي أنا لا أعرفك![/rtl]
[rtl]- ولكنكِ زوجتي، أنا متيقن بأننا عشنا سويا في هذا البيت لأكثر من خمسة عشر سنة. [/rtl]
[rtl]- سيدتي امنحي نفسكِ وقتا للتعرف عليه.[/rtl]
[rtl]- كلا لا اعرفه ، اخرجا من بيتي فورا.[/rtl]
[rtl]... يخرج من بيتها منكسرا لا يدري ماذا يفعل وإلى أين يذهب..[/rtl]
[rtl]- لقد بذلت كل ما في وسعي ، لا استطيع أن أقدم لك شيئا بعد الان، تستطيع الذهاب للملجئ وقتما تشاء، هذا ما يمكنني فعله. [/rtl]
[rtl].. يسلمه تصريح دخول الملجئ ويتركه بمفرده...[/rtl]
[rtl]... يسير في الطرقات وحيدا ...يتعب من المشي فيجلس في احد المقاهي.. يرى بالصدفة صديق قديم له..[/rtl]
[rtl]- أهلا بك يا راشد منذ زمنا لم أرك؟[/rtl]
[rtl]- من أنت؟ [/rtl]
[rtl]- أنا صديقك باسل الم تعرفني؟ [/rtl]
[rtl]- كلا لا أعرفك ولم يسبق أن التقيت بك.[/rtl]
[rtl]- مستحيل نحن أصدقاء منذ أيام الجامعة!![/rtl]
[rtl]- قلت لك لا أعرفك ارحل من هنا رجاء.[/rtl]
[rtl]يمضي بعيدا ... يجن عليه الليل فيستلقي على شاطئ البحر ...تتغرغر عيناه بالدموع ... ينظر إلى القمر مخاطبا..[/rtl]
[rtl]- يبدوا انه حتى أنت أيها القمر لم تعد تعرفني، هل تذكر عندما كنت اقضي في سمرة لياليك تلك الأمسيات الحالمة التي لن أنساها ما حييت ، كانت في قمة الروعة ، كنت في جوف ليلك وفي غمرة سكونه أتسامر مع أصدقائي ، كنا نختار المكان المظلم الذي ينيره نورك السرمدي ، ونلقي الأشعار على ضوءك ، أتذكر يا صديقي القمر آهات شعري الذي كنت اختاره لشعراء كتبوا أجمل قصائدهم في عتمة لياليك الباهرة.[/rtl]
[rtl]... يداهمه سلطان النوم فيستسلم له ... يستيقظ على زقزقة العصافير ولسعات أشعة الشمس ... يشرب كوبا من القهوة ثم يسرع نحو مدرسة الأطفال...[/rtl]
[rtl]... يشاهدهم وهم يخرجون من الحافلات باتجاه مقاعد دراستهم، يرى زوجته وطفله، ينتابه الشوق العارم فلا يستطيع المقاومة...يمسك بطفله ويحتضنه بحرقة...[/rtl]
[rtl]- ابني حبيبي، إذا نسيني كل الناس فأنت لا يمكن أن تنساني.[/rtl]
[rtl].. ينظر له طفله ببراءة .[/rtl]
[rtl]- هل أنت أبي؟[/rtl]
[rtl]- أنا أبوك يا حبيبي. [/rtl]
[rtl]... تختطفه أمه من حضنه بقسوة...[/rtl]
[rtl]- كم مرة قلت لك أن لا تأتي إلى هنا؟ [/rtl]
[rtl]- أنا زوجك ووالد طفلك.[/rtl]
[rtl]- أنت رجل مجنون ومريض. [/rtl]
[rtl]...يقبض عليه المارة ويأخذونه إلى الشرطة التي تكتفي بتوقيعه تعهدا بان لا يتعرض لزوجته وطفله مرة أخرى...[/rtl]
[rtl]... ينظر لطفله الذي كان جالسا في المقعد الخلفي في السيارة التي كانت تستعد للمغادرة فيناديه بلهفة غامرة: [/rtl]
[rtl]- ابني حبيبي.[/rtl]
[rtl]... يلتفت له طفله وقد بدا على محياه التأثر والعطف... [/rtl]
[rtl]- أمي ربما يكون هذا الرجل أبي.[/rtl]
[rtl]- انه شخصا مجنون، لا يعقل أن يكون أباك!![/rtl]
[rtl].... لا يستسلم لقدره، يقرر الذهاب إلى الشركة التي كان يعمل فيها.... [/rtl]
[rtl]- أنا متأكد بان عقد من الزمن لا يمكن أن ينسيهم ذكري.[/rtl]
[rtl]يذهب للملجئ .. يحلق ذقنه ويرتدي اللباس الذي كان يرتديه أيام عمله.. [/rtl]
[rtl].. يدخل البوابة الأولى فيرى زملائه من حراس الأمن...[/rtl]
[rtl]- فادي، بسام، سمير، أهلا بكم، كما أنا مسرور بلقائكم بعد كل هذه الأعوام.[/rtl]
[rtl]... ينظرون إلى بعضهم البعض بتعجب... [/rtl]
[rtl]- من أنت؟[/rtl]
[rtl]- أنا زميلكم باسل الذي كنت اعمل في قسم المشتريات.[/rtl]
[rtl]- ( يجيبه احدهم) عفوا سيدي نحن لا نعرفك ولم نلتقي بك قبلا![/rtl]
[rtl]... ينشغلون عنه بعملهم فيخرج من بينهم متألما...[/rtl]
[rtl]... يتوجه إلى قسم المشتريات... ينظر لزملائه من النافدة.. [/rtl]
[rtl]- كنت اعمل هنا ، هذا مكتبي لم يتغير حتى الان, ذاك سالم رئيس القسم ، وذاك عيسى ، وتلك منى ، وهذه شذى التي حلت مكاني ، كلهم أذكرهم وكأني لم أفارقهم منذ سنوات .[/rtl]
[rtl]... يدخل عليهم بحذر...[/rtl]
[rtl]- أهلا بك هل من خدمة أسديها لك( يكلمه سالم رئيس القسم).[/rtl]
[rtl]- سالم الم تعرفني ؟ أنا باسل![/rtl]
[rtl]...ينظر له بتمعن ...[/rtl]
[rtl]- كلا يا سيدي لم أرك من قبل.[/rtl]
[rtl]- مستحيل!! لقد كنت اعمل هنا زهاء العشر سنوات وأنت كنت رئيسي ![/rtl]
[rtl].. يجتمع زملائه حوله..[/rtl]
[rtl]- أنت عيسى أليس كذلك؟[/rtl]
[rtl]- نعم هذا صحيح.[/rtl]
[rtl]- وانتِ منى![/rtl]
[rtl]- نعم كيف عرفت اسمي؟! [/rtl]
[rtl]- وأنتِ شذى ، كنت تعملين سابقا في قسم المبيعات ثم نقلتي إلى هنا ، أليس ما أقوله صحيحا ؟ [/rtl]
[rtl]- هذا صحيح ولكن كيف عرفت ؟[/rtl]
[rtl]- ( يخاطبه سالم) كل ما قلته صحيح ولكننا نقسم لك بأننا لا نعرفك ولا نتذكر انك كنت معنا في يوم ما.[/rtl]
[rtl]- صدقوني هذه هي الحقيقة.[/rtl]
[rtl]- لا شك في انك مخطأ نحن لم نلتقي بك قبل الان، أرجوك كف عن إزعاجنا نحن هنا في مقر عمل.[/rtl]
[rtl]... لا يستطيع التحمل فيتفجر غاضبا...[/rtl]
[rtl]- أنا أعرفكم وانتم لا تعرفونني، كيف يكون ذلك؟ الم تسألوا أنفسكم كيف؟!!![/rtl]
[rtl]- ( عيسى) يبدوا انه مجنون!![/rtl]
[rtl]- ( منى) انه ليس مجنون ولكنه قد يكون مجنون !![/rtl]
[rtl]...يطلبون له رجال الأمن...[/rtl]
[rtl]- كيف اعرف الناس من حولي وهم لا يعرفونني؟![/rtl]
[rtl]- كيف اذكرهم ولا يذكرونني؟ [/rtl]
[rtl]- إذا كنت أذكركم فانا لا بد من أن أكون قد رايتكم في يوما ما، وانتم كذلك مثلي، هذه معادلة بسيطة يا سادة!![/rtl]
[rtl]- إذا كنت اعرف الأشياء من حولي فلا بد أن أحدا علمني إياها !! [/rtl]
[rtl]يخاطبهم وقد تباعدوا عنه خوفا محتمين ببعضهم البعض...يصل رجال الأمن فيقبضون عليه ويلقون به خارجا... [/rtl]
[rtl]... ينفض التراب عن ثيابه ثم يسير بغضب في طريق وحدته الطويل .... [/rtl]
[rtl]- لا بد أن إخوتي لا زالوا يذكرونني يستحيل عليهم نسياني.[/rtl]
[rtl].. يذهب إليهم مهرولا ...[/rtl]
[rtl]- من أنت؟[/rtl]
[rtl]- من أنا؟ ألا تذكرني يا خالد؟ أنا شقيقك باسل.[/rtl]
[rtl]- شقيقي!! ليس لي شقيق بهذا الاسم.[/rtl]
[rtl]... يقتحم المنزل بغضب ورعونة... يصيبهم الهياج والاضطراب..[/rtl]
[rtl] - من أنت وماذا تريد؟[/rtl]
[rtl]- لا بد انه احد المجرمين.[/rtl]
[rtl]- اسمع يا هذا إن فعلت أي حماقة فسوف أقتلك فورا.[/rtl]
[rtl]... ينظر لهم بحنق ثم لا يلبث أن تنتابه نوبة بكاء عارمة... [/rtl]
[rtl]- لا تخافوا لن اؤديكم بل يستحيل أن يصيبكم منى أذى. [/rtl]
[rtl]- أنت شقيقي ماجد أليس كذلك؟ [/rtl]
[rtl]- ( بغضب) أنا ماجد ولكني لست شقيقك!![/rtl]
[rtl]- انتِ اختي آمنة.[/rtl]
[rtl]- صحيح أنا آمنة ولكني لا أعرفك.[/rtl]
[rtl]- وهذ ابنك البكر بديع، أليس كذلك؟[/rtl]
[rtl]- (باستغراب) نعم انه هو.[/rtl]
[rtl]... ثم يلتفت لأصغر أشقائه...[/rtl]
[rtl]- وأنت اصغر أشقائي وائل.[/rtl]
[rtl]- أنا وائل مثلما تقول ولكني لم التقي بك قبلا.[/rtl]
[rtl]- (خالد) اخرج من هنا وإلا قيدتك بالحبال وطلبت لك الشرطة. [/rtl]
[rtl]- ( ينظر له بعطف ويكلمه بحنو) سأخرج يا أخي، ولكن أرجوك أن لا تغضب مني، فقط أريد منك أن تحقق لي طلبا قبل مغادرتي.[/rtl]
[rtl]- ( بتثاقل) وما هو ؟ قل بسرعة.[/rtl]
[rtl]- أريد أن احتضن شقيقي وائل.[/rtl]
[rtl].. يقترب من وائل بخطوات حذرة...[/rtl]
[rtl]- هل تقبل بان أعانقك يا حبيبي؟[/rtl]
[rtl].. ينظر وائل لإخوته فيحثونه بعيونهم على تلبية طلبه... يرتمي باسل في حضنه ويعانقه باكيا...[/rtl]
[rtl]- لن أنساك يا أخي، حتى لو نسيتني سيظل حبك في قلبي إلى الأبد.[/rtl]
[rtl]... تبدأ عينا وائل بذرف بعض الدموع ....[/rtl]
[rtl]- أنا لا اعلم إن كنت أخي أم لا ولكن قلبك الكبير ودموعك النقية تدفعاني للبكاء. [/rtl]
[rtl]- لا عليك يا حبيبي، اقدر ما تشعر به.[/rtl]
[rtl]... ينظر لأشقائه بوجه حزين ودموع ساكبة...[/rtl]
[rtl]- أحبكم وسأظل كذلك حتى لو نسيتموني لن أنساكم أبدا. [/rtl]
[rtl]... يخرج هائما على وجهه ...يمشي في طرقات مدينته التي يعرفها ولا تعرفه!! ينظر للناس من حوله فيشاهد طفله مرة أخرى...[/rtl]
[rtl]... يتقدم منه بخطوات حانية ... يقبل عليه طفله، ينظر له بابتسامة عذبة، لا يتمالك نفسه فيحتضنه بعمق.. تهرول له أمه غاضبة...[/rtl]
[rtl]- أنت يا هذا الم تعاهدني بان لا تقترب من طفلي ؟ [/rtl]
[rtl]- الم توقع تعهدا في الشرطة بالكف عن ملاحقتنا؟[/rtl]
[rtl]- ما بالك لا تجيب؟ دع ابني![/rtl]
[rtl]... يستمر في عناقه بصمت تام...[/rtl]
[rtl]... تحاول تخليص ولدها منه دون جدوا...[/rtl]
[rtl]... طفلها غير خائفا مما يحدث...[/rtl]
[rtl]- دعيه يا أمي انه رجل طيب.[/rtl]
[rtl].. يجتمع الناس حولهم، يسارع البعض إلى تخليص الطفل من حضن والده فيسقط صريعا على الأرض..[/rtl]
[rtl]- يا الهي لقد مات الرجل!![/rtl]
[rtl]ينظر له طفله بتمعن ثم يبكي بكاء حارا..[/rtl]
[rtl]- أمي انه أبي.[/rtl]
[rtl]... تتأمله فتجده زوجها!![/rtl]
[rtl]- يا الهي، انه زوجي ووالد طفلي!![/rtl]
[rtl]يحيط به الناس في ذهول...[/rtl]
[rtl].. تحاول زوجته إيقاظه...[/rtl]
[rtl]- استيقظ يا زوجي الحبيب ، استيقظ.[/rtl]
[rtl]- استيقظ يا أبي.[/rtl]
[rtl]يبكيان بكاء مرا.... تحجب السحب أشعة الشمس ليتساقط مطرا غزير، وكأن السماء أرادت مشاركتهما بكاءه... [/rtl]
[rtl]... تصل سيارة الإسعاف لتنقل جثثه الهامدة وسط عويل زوجته وطفله اللذين اختلطت دموعهما عليه بماء المطر ولكن عل صدى ندائهما له سبح في الأثير اللامتناهي وبلغ روحه الصاعدة لعالمها الجديد. [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]