البقاء لله

البقاء لله وإنا لله وإنا إليه راجعون

السندباد الشاعر عبدالمنعم عواد : أجل كفرتُ بالعرب




عبدالمنعم عواد يوسف

محيط - سميرة سليمان

هو رائد من رواد الشعر الحديث..الشعر لديه وسيلة للمقاومة .. الحرية .. والانتصار للإنسان .. أثبت بقصائده أن الشاعر هو مرآة للواقع يعكس ما فيه بصدق .. عاصر عمالقة الشعر .. كتبت عنه عشرات الرسائل الجامعية ، درس علم النفس ليعرف نفسه والآخرين ، صدرت عنه دراسات نقدية كثيرة ، ومؤخرا أصدرت الهيئة العامة للكتاب أعماله الكاملة في مجلدين ، آمن أن الشعور بهموم الوطن هو أقصر الطرق للوصول إلى الناس. كيف لا وهو القائل:

فلا فن، ولا فنان

إذا لم نحتضن حرية البلدان

إذا لم يرتفع فى الأرض

كل الأرض

صوت كرامة الإنسان

إنه الشاعر المصري الكبير عبد المنعم عواد يوسف الذي التقته شبكة الإعلام العربية "محيط" وأدارت معه الحوار الآتي:

محيط: أنت مواليد 28 أغسطس 1933جيل صلاح عبد الصبور وكمال نشأت وعبد الرحمن الشرقاوي حدثنا عن أحلامك وأحلام هذا الجيل؟

عواد يوسف: عاصرت المد القومي بكل تجلياته، فأنا التحقت بكلية الآداب قسم اللغة العربية مع ثورة يوليو عام 1952 التي سعدنا بقيامها وكان صداها بين الطلبة قوي جدا، عشت الفترة منذ عام 1952 حتى 1967 بكل أمجادها، معركة 1956 وانتصاراتها، وقيام الوحدة بين مصر وسوريا.

عام 1961 انهار حلم الوحدة قبل أن ينهار الحلم كله عام 1967، كان عبد الناصر يمثل لنا المنقذ والمخلص وأنا لم أكفر بعبد الناصر وظللت مؤمنا به حتى بعد الهزيمة والانكسار لأني شعرت أن ما حدث لعبد الناصر كان لابد أن يحدث، لأن قوى الاستعمار العالمي عندما تجد شخصا يحاول أن يخرج من الهيمنة الغربية ويحقق ذاته تأتي لتجهض هذا الحلم وهذا ما حدث أيام محمد علي أيضا.
أحلامنا في هذا الوقت لم تكن تنفصل عن الوطن وكان أول دواويني عام 1966 يعد ترجمة لثورة يوليو وأحلامها وانتصاراتها.


محيط: ماذا تمثل لك هذه القصائد:

هجائيات:
كتبتها بعد اشتعال الحرب اللبنانية اللبنانية ومعاهدة الصلح مع إسرائيل عام 1977 فأنا ضد أي صلح مع إسرائيل وأرفض أي اقتراب من التطبيع وإلى أن تحل المشكلة الفلسطينية حلا كاملا لا أسلم على إنسان أعرف أنه ذهب لإسرائيل.أقول فيها:
أتقتلونَ بعْضَكمْ بلا سببْ
وتنْتقونَ للَّهيبِ أجْودَ الحطبْ
وكلُّكمْ يظنُّ نفسَهُ محمَّداً
وكلُّكمْ أبو لَهَبْ
وتدَّعونَ أنَّكمْ عَرَبْ
إنْ كانَ منْ أراهمُ أمامَ ناظري عَرَبْ
فقدْ كَفَرْتُ بالعَرَبْ
أجلْ .. كَفَرْتُ بالعَرَبْ

هكذا غنى السندباد:
السندباد هو عبد المنعم عواد يوسف الذي خرج من مصر بعد 1967.

كما يموت الناس مات:
وجهت من خلالها نقد للسلطة، كتبتها عام 1953 عن العسكري الذي يضرب المواطنين من أجل المأمور المجيد. وكتبتها أثناء حكم عبد الناصر وتم نشرها واستخدمت بها الرمز وهو الدرع الذي نحتمي به.

الحب له وجه ثالث:
نعم، فالوجه الأول هو الحب المتحقق، والثاني هو الحب المحبط، الذي يفجر منابع الإبداع والثالث هو الحب في معناه المطلق بغير هدف.




الشهيد محمد الدرة
محيط: كتبت في مقتل محمد الدرة قائلا: القاتل الموتور لم يقتلك.. لكن خلّدك، هل يجب أن يكون للشاعر موقف سياسي؟

عواد يوسف: الشاعر الذي بلا موقف لا يقول شعرا حقيقيا، ولكن على ألا يتحول ذلك إلى خطابة وتعبير مباشر. فعلى الشاعر أن يعبر عن الهموم السياسية والاجتماعية ولكن من خلال الفن فلابد أن يكون الفن أولا ثم التوجه السياسي.
الشعراء العظام هم من كان لهم موقف ويكفي أن نعرف أن نزار قباني لم يصبح شاعرا حقيقيا إلا عندما انتقل إلى السياسة وأصبح يعبر عن مشكلات الوطن العربي.

كتبت عن كرامة الإنسان كثيرا كيف تراها الآن؟

عواد يوسف: أشعر أن الإنسان لم يمتهن في فترة بقدر امتهانه الآن على كل المستويات فعندما يغتال زعيم مثل صدام حسين - وأنا أرى أنه زعيما حقيقيا - ويضحى به في يوم العيد على مسمع ومرأى من الجميع فهذا امتهان ليس بعده امتهان.والأمل الذي يطل من المشهد الآن هو وجود حزب الله وقائده حسن نصر الله.


محيط: كيف ترى حرية التعبير على الساحة العربية؟

عواد يوسف: أرى أن مساحة الحرية الآن متاحة بلا حد لدرجة أن الناس يتجاوزوا حتى على المقدسات الإلهية وفي قصيدة حلمي سالم "شرفة ليلى مراد" خير مثال ومع ذلك تم نشر القصيدة.
يجب ألا يكون هناك أي حجر على حرية المبدع ولكن مع هذه الحرية عليه أن يحظر شيئين المغالاة في الجنس إذا لم يوظف، والاقتراب من القيم الدينية والمساس بالمقدسات.


محيط: اشتهرت بمعاركك الكثيرة من أجل ترسيخ الشعر الحر في مصر .. لماذا؟

عواد يوسف: بدأت كما يبدأ كل الشعراء شاعرا كلاسيكيا حريص على جزالة اللغة وفخامتها والاستعانة بالصور البلاغية، لكن بعد إطلاعي على المدارس الأدبية الجديدة بدأت انتقل من الكلاسيكية إلى الرومانسية بكل تجلياتها، ومع ثورة يوليو اتجهت إلى الواقعية وأصبحت قريبا من الناس ومشكلاتهم ولكي اعبر عن هذا بصدق كتبت بأسلوب الشعر الحر الذي يسمى الآن بشعر التفعيلة، وكتبت قصيدتي الأولى "الكادحون" التي نشرت عام 1952.



كان العقاد من محاربي الشعر الحر
أول ظهور قصائد الشعر الجديد قوبلت بعاصفة من النقد لدرجة أن كل شاعر من شعراء القصيدة العمودية كان يضمّن قصيدته سبَا للقصيدة الجديدة وهجاء لها.

كان العقاد من أشد المحاربين لهذا الاتجاه الجديد، وكان وقتها هو مقرر لجنة الشعر بمجلس رعاية الفنون والآداب وهو ما يسمى بالمجلس الأعلى للثقافة .
وظلت المعركة دائرة إلى أن بدأ كثيرون من الذين كانوا يهاجمون القصيدة الجديدة يكتبونها، آمنوا بها عند ذلك، لأنها فرضت نفسها. فكانت قصيدة التفعيلة هي التطور الطبيعي للمدارس الشعرية التي ظهرت في السابق.

محيط: كيف كانت بدايتك الإبداعية؟

عواد يوسف: ربما يفاجئ الكثيرون أن بدايتي كانت مع الزجل الذي يسمى الآن قصيدة الشعر العامية، ونشرت في مجلة كانت تصدر قبل الثورة تسمى مجلة "البعكوكة" كانت تحرص على نشر الزجل.
تكونت لدي الموسيقى من خلال كتابة الزجل. وعندما انتقلت من شعر العامية للكتابة بالفصحى كانت أدواتي مكتملة وكتبت أول قصيدة عام 1948عندما نشبت المعركة بيننا وبين العدو الصهيوني بعنوان "فلسطين" أقول فيها:

دماء تسيل ودمع يسيل
وهذا يقوم وذاك يميل
وشعب ينادي فيأتي الرفاق
يقولون جئنا نصد الدخيل

وسمعها معلمي في المدرسة وأشاد بها ونصحني بدراسة اللغة العربية لتصقل موهبتي وهو ما حدث بالفعل. وكانت هذه هي بداية الانطلاقة.



عبدالمنعم عواد يوسف
محيط: تتبنى في قصائدك الطبقات الكادحة لتنسف فكرة أن الشاعر يعيش في برج عاجي .. اذكر لنا بعض نماذج البسطاء عندك؟

عواد يوسف: قصائدي التي نالت حظا هي القصائد التي تعاملت مع الاتجاه الواقعي مثلا قصيدتي التي أحدثت صدى هي "كما يموت الناس مات" والتي أقول فيها:
وكما يموت الناس ماتْ
لا..لم تنح أرض عليه، ولا تهاوت شامخاتْ
لا..لم تشيعه الطيور إلى القبور..مولولاتْ
وكما يموت الناس مات

هي قصيدة عن إنسان بسيط، في الماضي كان الشعراء يكتبون قصائد الرثاء حين يموت الملوك والأمراء لكن الإنسان الفقير لا أحد يكتب عنه، رغم أنه أحوج ما يكون للرثاء، ولذلك كتبت هذه القصيدة.

وأنا أميل للكتابة عن البسطاء فمثلا قبل الثورة كتبت قصيدة عن الفقراء أقول فيها:

سرنا على الدرب لا أمل ولا هدف
طورا نسير وطورا آخر نقف
مشتتين الوجدان تجمعنا
نفس يئوس وقلب بات يرتجف

وأقول فيها أيضا:
وارحمتاه لهذا الشعب من شعب
فيه القياصر للأقوات تلتقم


محيط: غردت بعيدا عن السرب كثيرا وسافرت، ما هي دوافع ذلك؟

عواد يوسف: سافرت إلى الإمارات بعد نكسة 1967 لأني شعرت بإحباط شديد وأردت الخروج من هذا الوطن لإعادة التوازن، عشت هناك منذ عام 1968 وحتى عام 1992 حوالي 24 عاما، استفدت من السفر في تجربتي الفنية فكتبت هناك قصائد من وحي الاغتراب عن الوطن فكتبت "بيني وبين البحر"، "لكم دينكم ولي دين"، و"هكذا غنى السندباد".
وفي الإمارات جذبتني الحياة الثقافية واندمجت فيها، وأصبحت عاملا مؤثرا بها لدرجة أن الكثيرين الآن يعترفون بدوري في الحركة الثقافية. ثم قررت العودة إلى مصر لكي استعيد مكانتي على أرض وطني واستطعت في فترة يسيرة أن أفعل ذلك.

محيط: وما رأيك في المسابقات الشعرية التي تطلقها الإمارات؟
عواد يوسف: مسألة أمير الشعراء هذا أمر مبالغ فيه فهي مسألة محسومة، في الماضي كان المتنبي، وفي العصر الحديث هو أحمد شوقي، فكيف يمكن إطلاق لقب أمير الشعراء على شاعر ناشئ ؟ هذا فضلا عن ما يثار حول نزاهة التحكيم .
ورغم ذلك لا يمكننا أن ننكر أنها محاولة لإنعاش الحياة الشعرية، أيضا "شاعر المليون" هو حجر ألقى في مياه الشعر الراكدة جعل الشعر اهتمام جماهيري بعد أن نسيه الكثيرون.

محيط: قلت أن الكتاب الأول هو الحب الأول للكاتب..حدّثنا عن كتابك الأول؟

عواد يوسف: كتابي الأول هو "عناق الشمس" وكنت سعيدا بطباعته لأن من أشار عليّ بذلك هو مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك عباس محمود العقاد وهذا الديوان تم نشره عام 1966 وأنا اكتب الشعر الجديد منذ عام 1952، لكن العقاد طلب مني ديوان لنشره في مشروع يسمى الكتاب الأول ولكنه اشترط أن تكون قصائد عمودية وكتبت هذه القصائد الموزونة، ويظل الكتاب الأول هو حب الكاتب الأول بلا شك.

محيط: انتقدت في شعرك المتناقضات الغريبة في مجتمعنا؟

عواد يوسف: نعم كتبت:

أليس من عجائب الزمان
أن يموت بعضنا من ندرة الطعام
بل من عجائب الزمان
أن يموت بعضنا من وفرة الطعام ‍

فمن يموتون بالتخمة وأمراض السكر والقلب وأمراض المعدة الآن أكثر ممن يموتون من الجوع، وهذا ما استفزني.



الشعر العربي بخير
محيط : ماذا يمثل لك الشعر في حياتك؟ وهل ترى أنه لم يعد ديوان العرب؟
عواد يوسف: الشعر أعطاني حب الجمهور ولا اعتقد أنه سلبني شئ. ومصطفى كامل يقول لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا وأنا أقول لو لم أكن شاعرا لوددت أن أكون شاعرا.

والشعر هو نافذتي لكثير من فنون الأدب فكتبت القصة القصيرة، وأفكر في نشر الرواية وهو الأمر الذي يلح عليّ كثيرا، ولكن يظل الشعر هو حبي الأول والأخير.

أما عن حال الشعر العربي فهو بخير ، وأنا أرى أن هناك عشرات من الشعراء الجدد الممتازين، وقصائدهم تأخذ شكل القديم ولكن برؤى معاصرة. وسيظل الشعر دائما هو ديوان العرب وليس كما يزعم البعض بأن الرواية هي من تقوم بذلك الآن.

محيط: ماذا عن جديدك؟ ونريد قصيدة من اختيارك .

صدر لي هذا العام ديوان "المرايا والوجوه" الذي اعتز به كثيرا ، وأقرأ من قصيدة "فتاة المقصف"

حين أممت المقصف
كان الكل اثنين اثنين
إلا طاولة واحدة
كانت تتصدرها فاترة العينين
أومأت إليها لأجلس
فأجابت بإشارة عين
فجلست إليها
وانا مشدود
بالسحر الكامن
خلف الهدبين
ثرثرت كثيرا عن شفتيها الناضجتين
عن خديها
ما أجمل هذين الخدين
عن عينيها النجلاوين
عن أنف هو فص لجين
أسرفت كثيرا في الوصف
وصاحبتي لم تنطق حرفا
لم تبدي حتى دهشتها
شربت قهوتها وانصرفت
وأنا مازالت كلماتي تتابع نهرا
من بين الشفتين
وبقيت وحيدا في المقصف
والكل اثنين اثنين