لا يتحدث الإعلام أن محمدا يقتل أصحابه

توخي الحذر من تفخيخ عامة المنابر الإعلامية المعاصرة شيء يفرضه الشرع والعقل والواقع على المنشغلين بالأمر العام من الإسلاميين، لا سيما بعد ما سببه بعض هذا التفخيخ الإعلامي من تشويش وأزمات حقيقية ربما استفرغت جهودًا واسعة لمعالجتها، مثل تصريح "غزوة الصناديق"، و"قصر زواج أخوات جماعة الإخوان من شبابها"، وما شابه.

تنوع صور التفخيخ وصور المعالجة: وإذا كان التفخيخ الإعلامي لرموز العمل الإسلامي، بل وللمحسوبين على التيارات الإسلامية بشكل عام، رموزًا كانوا أو أفرادًا، إذا كان هذا التفخيخ شيئًا تتفاوت درجاته، وتتنوع أساليبه، من بين كذب صراح، أو تدليس، أو تشويه إلخ.. فإن التوخي ذاته ستختلف صوره طبقًا لاختلاف صور التجني الإعلامي.

وإذا كنا نتحدث عن التفخيخ الإعلامي للإسلاميين فإن هذا لا يعني ضرورة انتفاء الأخطاء الإعلامية غير المقصودة في حقهم، وانتفاء كذلك الأخطاء التصريحية من بعض هؤلاء الإسلاميين، بل إننا عند التدقيق لا نكاد نرى مدخلا إعلاميًا للطعن أو التشويش إلا ووراءه أخطاء بعض هؤلاء الرموز، أقلها الغفلة عما يحاك لهم إعلاميًّا.

إعلام معادٍ للمشروع الإسلامي: وجليّ بداية أننا في مصر أمام إعلام معاد في جملته للمشروع الإسلامي، وإنما يداهنه أحيانا ليضرب بعضه بعضًا، كما كان يفخخ للسلفيين باستضافة "القوصي" و"محمود عامر" وأمثالهما، أو يداهنه لتعذر تجاهل ضخامته في الواقع.. وفي الجملة هو إعلام يحمل مشروعًا مصادمًا للمشروع الإسلامي.

وهذا في ذاته مبرر لقطيعة هذا الإعلام، في ظلّ إحكامه السيطرة على مادته الإعلامية، وتوجيهها كاملة طبقًا لأغراضه منها، لا سيما وقد اجتمع مع تلك السيطرة أو الدبلجة الأخيرة للمادة الإعلامية ضبابية الرؤية عند كثيرين من المنشغلين بالعمل الإسلامي، خاصة الدعاة الذين عزلهم النظام السابق عن الحياة في مصر، فينتج عن هذا سذاجة لمخططات هذا الإعلام، كما شاهدنا له كثيرًا من الأمثلة في الأيام الماضية.

هل يقاطع الإسلاميون الإعلام المغرض؟ مقاطعة هذا الإعلام المغرض شيء خاضع للموازنة بين مصالح الاتصال به ومفاسده، فأيهما يغلب يقدم على الآخر، وإعمال هذا الأصل شيء لا يكاد يُختلف عليه، أما تطبيقه فمحل تفصيل كبير، وتختلف الإجابة طبقًا للمقاطعة الفردية والمقاطعة الجماعية، ففرق بين القرار الفردي لكل رمز أو ممثل من الإسلاميين، والقرار الجماعي طبقا لقطاع الإسلاميين ككل.

وحتى أكون واقعيًا فإنني لا يمكنني أن أتصور المقاطعة العامة للإسلاميين لهذا الإعلام المغرض والمعادي، لا لشيء سوى لتعذر توحُّد موقفهم في قضية اجتهادية واقعية كهذه، لكن على فرض إمكانية هذا، فإن سلاح المقاطعة حينها له إيجابياته الكثيرة كما له سلبياته، فهو سيكون ردًّا على حملات التشويه المستمرة، كما سيكفي الإسلاميين غوائل هذا الإعلام، لكنه كذلك سيغلق مجال المعرفة عن طبقة لا تعرف عن الإسلاميين شيئا من غير الجرائد وبرامج التوك شو، كما ستتيح لهؤلاء الإعلاميين النهش بلا رقيب أو كفالة حقوق الردّ بزعم الامتناع والمقاطعة من جانبهم.

لم يبق سوى المقاطعة الفردية أو ما يمكن أن نسميه اعتزال غير المؤهلين للظهور الإعلامي، من حيث افتقاد صفات نفسية أو معارف ثقافية أو مطالعة للواقع، وما شابه، وهو ما وعته بعض التيارات الإسلامية، وهو ما وعاه بعض الدعاة دون الكثرة! وطريق تحديد تلك المقاطعة مبناه على تقبل نصح المقربين والمتخصصين.

وجود الإعلام المحايد والعاصم لإعلام التفخيخ: لا شك أن وجود الإعلام المحايد الذي ينقل الصورة على وجهها هو العاصم الحقيقي لمسار إعلام التفخيخ، وقد غيرَّت بعض تلك المنابر المضللة من بعض سياستها ضد الإسلاميين بسبب تسليط منابر أخرى الضوء على كذبها وتدليسها -وإن كان بدافع التنافس المهني أو الأحقاد-.

ووجود إعلام محايد في نقل الصورة الإعلامية الواجبة لرسالة الإسلاميين تحدٍّ كبير في الواقع المعاصر، كما ضرورة للبقاء بالحجم الحقيقي لهم في الشارع المصري.

وإلى حين تجاوز الإسلاميين لهذا التحدي، المتمثل في خلق إعلام يضمن نقل صورتهم لكل طبقات المجتمع المصري حسب تفاوت ثقافتهم واللغة الواجبة بحقهم فيحجم تماما افتراءات الإعلام المعادي، إلى حين تجاوز هذا التحدي: فإن على الإسلاميين العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه).

» الشاعر الغنائي الكبير جلال شعلان يتحدث عن الفنان عبد القصود في حديث الذكريات