أوجـــــاع الذاكـــــرة
· دراســـة نقدية في المجموعة القصصية ( ظلال وحيدة ) لمنار فتح الباب***********************************
- عندما يغيب الحدث أو يكاد وتحضر الذاكرة بكل أوجاع التذكر هنا يصبح البوح سيد الموقف . يأتي هذا البوح راصداً للعالمين الخارجي والداخلي ومحاولة استنتاج جدلية التعالق بينهما هذا ما نراه في مجموعة " ظلال وحيدة " للقاصة الباحثة منار فتح الباب الصادرة عام 2004 وهي المجموعة الثالثة لها بالإضافة للنشر ضمن مجموعة كاتبات وكتاب نقدي عن الخطاب الروائي عند غسان كنفاني عام 2003 نالت به درجة الماجستير في النقد عام 1994 وكتاب نقدي أخر (محمد جبريل موال سكندري ) هذا يجعل الدارس أو القارئ لأعمالها القصصية عليه أن يحتاط كثيراً لأن كتاباتها لها خصوصيات واشكاليات يجدها القارئ مثل الحدث بين الغياب والحضور ومستوى الصياغة النفسية للجمل والرؤية الخاصة بفنية السرد والحبكة والتداعي والمناجاة . ندخل إلى المجموعة كما يلي :
[1] الطرح الفكري : من الصعب أن يدرك القارئ لأول مرة الأطروحات الفكرية أو المعادل الموضوعي المراد التعبير عنه في المجموعة لكنه من خلال المثابرة وإعادة القراءة بتأن ثم إعمال إعادة ترتيب وتقديم وتأخير وهيكلة بمعرفة القارئ ، وهذا مباح فنياً في هذه المجموعة . يمكن الوصول إلى المكنونات الإنسانية. من الملاحظ أن القصص جعلت همها الأول بل الأوحد هموم الأنثى من وحدة واغتراب وشوق للجنين .
تمثل هذه الهموم المحك الأول ونقطة الارتكاز الفكرية في قصص المجموعة الستة عشر .
1-1 هموم الإنجاب : تعتبر الأنثى البطلة الراوية في أغلب قصص المجموعة أن الجنين أو الطفل هو جواز مرورها في الحياة وصك العبور وتخطي الحواجز الاجتماعية وهو عنصر الأمن كما تفهم بعض الإناث والأمهات عبر الموروث الشعبي في ذاكرة البشرية . هذا ما يستدعي قلق البطلة في (عيون) التي تخاطب جنينها المرغوب فيه وهو لا يوجد أيضاً . تخبره مدى حبها له وأنه ثمرة علاقة مع أبيه . فهي تحدد أسباب وجوده وهي أيضاً ترى عيون الآخرين ترقبها وتنظر هذه العيون دون أن تبوح تنتظر أن تنجب غير مدركين لهفتها ورغبتها في الإنجاب . هذا يجعلنا نستدعي الإهداء الذي وضعته الكاتبة " سقطت على وجهي قطرة نداك الأبيض الشفاف من وريقاتك الفواحة الخضراء ، وتراءى لي وجهك الجميل قبل ميلادك فكنت وحياً لي . إلى أبنتي الجميلة وحبيبتى .... لقد بعثت فيَّ الروح بعد أن كنت أحيا كشجرة جافة .. فشكراً لك وحمداً لله ... " هذا يعكس قيمة الطفل أو المفاهيم المجتمعية والإنسانية في رغبة الطفل ويمكن أن نخلق تماهي بين البطلة الراوية والبطلة الكاتبة لأن كلتاهما أنثى في مجتمع إنساني وأنثى تشعر وتريد طفلاً فالأنثى بلا طفل كشجرة جافة أو شجرة بلا ثمر أو أرض بور كما يقول المأثور الشعبي ويعبر عن ذلك في معطيات الحياة العادية .
نفس البطلة في (وجود أخر) التي يتطلع رحمها إلى طفل وتبحث عن زوجها في كل مكان فندرك معها أنه لن يوجد طفل لأن الزوج أيهم وُجد جثة هامدة . ربما الحزن لأنها لن تر طفلاً لأن الزوج فُقِدَ فتأخذ أقراصاً مهدئة لترى حياة وأشجار لا تجف . إنها دخلت إلى وجود آخر مع هذه الأقراص المهدئة التي تساعدها على الهرب .
تتكرر الراوية البطلة التي تفتقد إلى الزوج والطفل لكنها تهذى وتتخيل في (صورة قديمة أسود وأبيض) أنها تسير بجوار مسئولة زميلة سابقة لزوجها في مدينة بعيدة . تتمنى أن تنجب بنتاً تعطيها اسم هذه المسئولة ثم تفيق من الخيال وتعود إلى الواقع الزمني الخاص بها لتدرك أنها تبيت وحيدة وهي بلا زوج وبلا طفل . التمني والحلم والرؤية عبر الغفوة والتطلع من خلال الخيال الخالق هي أشياء إنسانية مشروعة يهرب بها الإنسان إلى عالم يحقق فيه أمنياته . في سلمى ، تروي البطلة عن سلمى الحلم الطفلة التي لم تلدها وتتمنى الراوية من سلمى أن تلعب مع أخيها تميم وأختها . لقد أبدعت الأنثى في التخيل فخلقت عبر الأمنيات واقع لذيذ بديل عن الواقع المعاش الذي تفتقد فيه هذه الأمنيات . وكذلك في " حلم سلمى " تحدث الراوية صديقتها مها التي ماتت عن سلمى ابنة الراوية ثم تخاطب هذه الراوية سلمى التي تشبه أخيها تميم وأيضاً ترتد إلى اللحظة الحاضرة وتعرف أنها لم تنجب سلمى أو تميم وأنه مجرد حلم .
1-2 الوحدة وتمني رجل :
الوحدة تلقي بظلالها كثيراً وطويلاً عبر المجموعة حيث نراها مطروحة في تسع قصص من مجموع القصص البالغ ستة عشر . تأتي الوحدة بمفهوم الأنثى الراغبة في التآلف مع الرجل فالأنثى البطلة الراوية في أغلب القصص تشعر بالوحدة إما لإهمال الزوج لها أو وحدة بسبب غياب الأب نرى في (ظلال وحيدة) زوجة تركها الزوج واستبدل بها أصحاباً على المقهى بينما هي تتأوه في فراشها وحيدة . في (سحب صغيرة متقطعة) تعاني الصديقة مها من بخل الزوج بعد أن تركها الأب مع الأم تموت مها في طريق عودتها من إحدى الدول العربية. في (لوحة صامتة يطل منها المحيط ) أنثى يوم عيد زواجها تترك الكتب والمؤلفين وتهتم بزوجها تناديه يخبرها أنه يصلي . تناديه مرة أخرى يخبرها أنه متعب لتدرك أن الراوية البطلة تصف الزوج بأنه أبكم أصم . في (تداعيات العزلة) البطلة في المطبخ تعد الطعام تتذكر حياتها وتشبهها بحبات الفاصوليا . تخاطب الحبيب في السيارة صاحب القلب البارد واليدين الباردتين . في (خيول الموج) مساجلة حوارية بين رجل وأنثى عن احتياج كل منهما للآخر . تنتظر الأنثى أن يصلها صوته لكنها تنسحق عندما لا تجده . في (عروسة النيل ) فتاة تداعب عروستها القماشية تتمنى في خيالها عريسا غير ابن الجارة الثرثارة وتتمنى صديق أخيها . ترى عريساً ينتظرها منذ سبعة آلاف عام لتوازن بينهما وبين عروسة النيل . بين الماضي والأمل .
[2] اللاحدث والتداعي : رؤية
تعتمد الكاتبة على تيار الوعي هذا التكنيك له أبعاد فنية عديدة فتيار الوعي هو " جريان الشعور " و " تتابع الإدراك " كما يقول الدكتور محمود الحسيني في كتابه تيار الوعي . في الرواية المصرية المعاصرة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 1997 . "فقد كان أساساً كمفهوم عبارة تيار الوعي أو تيار الشعور في علم النفس التحليلي والتي ابتدعها الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس (1842-1910) في كتابه مبادئ علم النفس ".
وتدل هذه العبارة " تيار الوعي على انسياب التجارب النفسية داخل الإنسان " فكل روايات تيار الوعي هي تلك التي تهتم بالوعي الداخلي ومن التقنيات الفنية لهذا التيار . المونولوج الداخلي – مناجاة النفس – التداعي الحر – المستحدثات السينمائية – تفتيت الحدث واللغة – تتابع الوحدات الزمنية – الاسترجاع – الرمز – الحلم – وجهة النظر – الصورة – لغة اشبه بلغة السحرة والصوفين أحياناً – الرؤية الصوفية – الفضاء النصي – حشد تفاصيل – اللازمة أو تكرار صورة أو موقف أو عبارة أو مشهد أو مفردة حسبما يتراءى للكاتب . اذا وقفنا عند هذه التقنيات لتيار الوعي سوف نفرد صفحات ونبتعد كثيراً عن الموضوع ويتشتت القارئ . يعتمد أسلوب تيار الوعي على لقطات متفرقة من الانطباعات والمشاعر ويعبر عن القلق والتوتر النفسيين وهو أيضاً قائم على استدعاء الماضي وتحليل الانطباعات للوصول إلى تقيم للحالة الإنسانية أو وضعها أمام القارئ . ويخطأ بعض النقاد حين يؤسسون لهذا التيار الأدبي على يد جيمس جويس (1882-1941) فينسبون إليه أنه صاحب تيار الوعي مع فرجينا وولف والكاتبة دوروثي رتشارد سون لكن الحقيقة كما يقول الدكتور لويس عوض في كتابه في الأدب الانجليزي الحديث الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990 " جويس ليس مبتكر منهج المنولوج الداخلي بل هو مكمله ومبتكره الأول فرنسي مغمور هو إدوار ديجاردن صاحب قصة لقد قطعت أشجار الغار 1887 وهي قصة خالية من الأحداث قوامها الأفكار والذكريات ثم جاء الثلاثة جويس وولف ورتشار سون وطورا وأسهموا في نشر هذا التيار ". "وإذا كان منطق التذكر يمثل العنصر الرئيسي لحركة الانتقال من خارج الذات إلى داخلها فإن منطق التداعي يمثل بدوره العنصر التشكيلي الأكثر بروزاً في تركيب البيئة القصصية " هكذا يقول الدكتور صلاح السروي في كتابه الذات والعالم الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2002 .
في هذه المجموعة نجد غياب الحدث المباشر فالكاتبة لا تقص أحداث مباشرة لكن على القارئ أن يلهث ويثابر لكي يصل إلى مجمل ما تقوله الكاتبة ويفكر ويفكك النص ثم يعيد ترتيباته ليصل إلى الحدث والزمن ويفند الحوار الداخلي عبر المونولوج والتداعي والتذكر وكما يختفي الزمن المباشر تقريباً لأن الإنسان في علاقته بالعالم أصبح فاقدا لصلاحيته والزمن الموضوعي تراجع خلف المفهوم الجديد للزمن المعاش بحاسة الوعي كما يجئ في كتاب دكتور صلاح السروي سالف الذكر وهو ما أفرزه من الناحية الجوهرية أعمال هنري جيمس ومارسيل بروس وجيمس جويس وفرانز كافكا . ويعتمد تيار الوعي في أحيان كثيرة على الحلم أو الغفوة وربما الكابوس ويكون الحلم هنا غير مباشر أو ما يسمى مستوى حلم الوعي وفيه يرتبط الحلم ببناء القصة من خلال تداعي الصور والذكريات دون التصريح بها حيث تتداعى الأحلام على الشخصية دون تدخل من الراوي كما نجد عند تيار الوعي في مصر إدوار الخراط - محمد إبراهيم مبروك – محمود عوض عبدالعال – احمد هاشم الشريف – محمد حافظ رجب .. تتبنى الكاتبة تيار الوعي فتحكي بدون ترتيب فكري أو زمني أو حدثي وهنا يأتي دور القارئ المثقف المثابر القائم على تذوقه وإعادة هيكلة النص .
[3] التقنية :
3-1 الحبكة والسرد:
تستخدم الكاتبة أسلوب تيار الوعي بما له من مهارة الغوص في الأعماق البشرية وتدفق الأفكار والأحاسيس والانطباعات والتعبير عن الانفعالات ومشاعر غير مرتبة وتقنيات تيار الوعي كما سبق القول عديدة وبالغة التشابك والترابط والتعقيد فيمكن للقاص استخدام بعضاً من هذه التقنيات أو قليلاً منها . في هذه المجموعة نجد القاصة اعتمدت على المناجاة والحلم في (عيون) ثم اعتمدت على الحلم الوعي المباشر في (حلم سلمى) وكذلك الهلاوس في هذه القصة أيضاً . تستخدم أسلوب التداعي والتذكر في (تداعيات العزلة – حب موت – صورة قديمة ابيض واسود) والحلم والتذكر في (موعد) والكابوس في (سلمى) كما نرى يوجد تداخل بين تقنيات الحبكة وترابط وأيضاً تواصل واتصال . أما عن السرد تتنوع الأساليب السردية كما يلي :-
أ- السرد بلغة الأنا حيث تقص البطلة الراوية بالأنا عن الأنا كما تخاطب هو بلغة الأنا ويوجد السر بالأنا في قصص ( عيون – حلم سلمى – حب موت – لوحة صامته يطل منها المحيط – تداعيات العزلة – صورة قديمة ابيض واسود – موعد – سلمى)
ب- سرد حكائي بلغة الهي حيث السارد العليم أنثى تقص عن أنثى في قصص (ظلال وحيدة – سحب صغيرة متقطعة – عروس النيل ).
ج- تقص السارد الأنثى العليم عن هو في قصة (مائة عام – شمعتان) .
د – سرد مختلط تتعدد فيه أصوات السارد مع الحوار أيضاً . في قصة (خيول الموج) تبدأ بالحوار بين هو وهي على طريقة التذكر ثم تقص بلغة الأنا .
نجد في (سحب صغيرة متقطعة) تقص عن مي ثم تقص عن مها ثم تعود إلى الحاضر لتقص عن ابن مها وزوج البطلة الراوية .
في قصة (ظلال وحيدة) سرد حكائي ثم عودة إلى حوارات الداخلية وخلجات البطلة الراوية ثم حوار هام مع الزوج .
3-2 الحوار واللغة :
تمثل اللغة لدى الكاتبة محوراً تقنياً هاماً . لأن اللغة عند كتاب تيار الوعي تقوم على فيضان الوعي من خلال المونولوج الداخلي والمناجاة طبقاً للتداعيات الذهنية تنطلق اللغة لتعبر عن فيضان الذهن وأحياناً تأتي لغة قريبة من لغة السحرة أو الصوفيين لأنها تعبر كما في النفس وربما يسقط كتاب هذا التيار حروف العطف والوصل والروابط وأدوات وحروف التشبيه . تأتي اللغة في هذه المجموعة لتركز على الجانب النفسي والانطباعات والخلجات الإنسانية وتتوهج عبارات الوصف والتعبير عن الوحدة والحزن والإهمال وهموم الأنثى عموماً . كما نجد في قصص (عيون – حلم سلمى – ظلال وحيدة – سحب صغيرة متقطعة – لوحة صامته يطل منها المحيط – حب موت – تداعيات العزلة) .
في قصة ( ظلال وحيدة ) تقول صـ 28 – 29
صباح مزدحم ككل صباح .. سيارات بلا معنى .. أين يحطني .. وأين يخفى ذراعي حينما أتشبت به كآخر من بالكون . أخفى أهدابي بين جفوني كي استيقظ من حلمي وأجد قمراً يسبح في صدره ويميل إلىَّ ... والحديث بيننا يطل على دخان السجائر .. يغلق علىَّ تربة الحلم وقوقعة الوهم ، وفي الغرفة الوحيدة التي لا ينطفئ نورها يظلل الصباح الفجر وتظلل شفاهة شفتي صغيرتين كبراعم موت مؤجل .
أما عن الحوار أغلبه داخلي وبلغة الأنا أو هو مُتَوَهْم عبر مناجاة النفس وباللغة الفصحى في قصص ( عيون – حلم سلمى – ظلال وحيدة – تداعيات العزلة – لوحة صامته يطل منها المحيط – خيول الموج)
3-3 التوازي :
يمكن للقارئ أن يستنتج توازيات في المجموعة طبقاً لكل قارئ ورؤيته سواء جاءت هذه التوازيات تعبر عن قصديه فنية أو صدفة فنية . لكنني أعتقد أنها غير مقصودة لأن الكاتب دائماً ينطلق في كل عمل على حدة . لكن لكل كاتب تكوينه الفكري والثقافي وخطة الفني فيوجد لديه تقنيات متقاربة وربما أفكار يتكرر طرحها بأشكال مختلفة . في هذه المجموعة نراعي هذا التوازي كما يلي
- قصة ( حلم سلمى )
القمر يوازي = سلمى (الطفلة المرغوب في حملها) = مها = تميم (طفل) لم ينجب وتتمنى البطلة الراوية الحمل به مع أخته سلمى أيضاً التي لم تُولد .. إذن سلمى والقمر وتميم ومها يعبرون عن الأمل والنور .
- قصة ( رسالتان ) .
الرسالتان = الحبيب والحبيبة تعبران عن التآلف والتجاور ثم التقادم .
- قصة ( تداعيات العزلة )
هي البطلة الراوية = النبات البري = الضعف والوهن = ثمرة الفاصوليا .
- قصص ( خيول الموج – حلم سلمى – سلمى – عيون – ظلال وحيدة – وجود آخر ) كلها تتوازى في الرغبة في طفل .
- قصة ( عروس النيل )
العروسة القماشية = الماضي ومرآة النفس
- قصة (عروس النيل) تتوازى مع قصة (سلمى) في الحلم والأمنية الأولى حلم العريس والثانية حلم الولد . وكلاهما غير متحقق .
[4] الحضور الأنثوي أو النسائية
ظهر النقد النسوي كخطاب منظم في ستينات القرن العشرين واعتمد على حركات تحرير المرأة التي طالبت بحقوق المرأة المشروعة كما يأتي في كتاب دليل الناقد لمؤلفيه د.ميجان الرويلي و د.سعد البازعي الصادر عن المركز الثقافي العربي في بيروت " ولازال النقد النسائي على صلة بحركات النساء المطالبة بالمساواة والحرية وتعتبر فرجينا وولف من رائدات النقد النسائي وفي فرنسا تزعمت الحركة سيمون دي بفوار وتعتبر فترة 1969 بداية تفجر الكتابات التي تعالج موضوع المرأة . يطالب النقد النسائي بإنصاف المرأة وجعلها على وعي بحيل الرجل الكاتب . خاصة فيما يتعلق بالموروث الثقافي والأدبي ويتوجه كثير من أتباع هذا الأدب إلى ما أسمته أيلين شوالتر بالنقد الجينثوي وهو النقد الذي يعني بإنتاج النساء من كافة الوجوه "
وأهم سمات هذا الأدب هي :
أ- تحديد نوع الكاتبة الأدبية التي كتبتها المرأة وكيف اتصفت بسمة الأنثوية مع الأخذ في الاعتبار الأمور الشخصية والعاطفية والداخلية .
ب- الاهتمام باكتشاف تاريخ أدبي للموروث الأنثوي .
ج- محاولة إرساء صفة التجربة الأنثوية المتميزة في التفكير والشعور والقيم وإدراك الذات والعالم الخارجي .
د- محاولة تحديد سمات لغة الأنثى والأسلوب الأنثوي الخاص بالكاتبة وخصائص الصور والخيال وبنية الجمل .
نرى مفاهيم الأدب النسوي ينطبق في هذه المجموعة من خلال الحضور الأنثوي المتمثل فيا يأتي :
1- البطولة متفردة للأنثى عبر قصص المجموعة .
2- السرد بصوت الأنا الأنثوي في أغلب قصص المجموعة .
3- تعبر عن هموم الأنثى من وحدة وشوق للولد والحب والبحث عن التآلف .
4- الكاتبة أنثى ولها إرث ثقافي واجتماعي يؤثران في العملية الإبداعية .
5- اللغة والمفردات تعبر عن الهم الأنثوي ومشاعر وخلجات نفسية أنثوية .
6- المخاطب أنثى فالراوية البطلة تخاطب نفسها عبر التداعي أو الحوار الداخلي أو ما يسمى بالمنولوج .
7- اعتماد القاصة على تيار الوعي القائم على تحليل الدوافع وإبراز النوازع وتحليل العواطف الشخصية .
[5] المراهنة على القارئ :
يتساءل كثير من النقاد والباحثين حول غايات الأدب أو هل الفن للفن ؟؟ أو بالأدق هل الأدب للأدب أم للأدباء ؟؟ أم هو لجمهور القراء الذي ينقسم بدوره إلى أكاديمين ونقاد ومثقفين وقراء عادين أو ما يسمى بالمتلقي العادي كما يقول الدكتور محمد مندور في كتابه الأدب ومذاهبه . " مع وجود النظريات التي تختلف فيما بينها حول هذا الصراع ودفاع كل فريق عن وجهة نظره . يأتي القارئ على رأس اهتمامات الفن والأدب فالقارئ أو المتلقي هو المرجو الأول وهو المعني بما يُكتب فالأدب الذي ليس له جمهور هو أدب ميت منقرض لا محالة . فلو كان الأدب للخاصة لجلس جمهور المهتمون في غرف مغلقة ليفندوا ما يكتبون دون الحاجة إلى قراء "
من هنا تنبع نظرية الاستقبال واستجابة القارئ ويأتي القارئ على رأس أولويات النص . القراء بكل مستوياتهم الثقافية والمعرفية هو المخاطبون وهم المرجون من خلال التواصل فدور القارئ ليس سلبياً ولا قائم على الاستهلاك لما هو منتج لكنه مشارك وفعال في العملية الإبداعية كما يقول رولان بارت " إن القارئ مشارك في العملية الإبداعية فلا يقف عند حدود الاستهلاك فهو يعيد إنتاج الدلالات والمكنونات " راجع كتاب دليل الناقد صـ 190 وما بعدها . سعد البازعي وميجان الرويلي – ليس المهم ما يقصده الكاتب أو ما يريد المؤلف قوله . لذلك نجد مستويات مختلفة من القراءات والتأويلات طبقاً لثقافة وفهم واتفاق وقبول ورفض القارئ . لذلك بعض الكتابات تراهن على القارئ وثقافته واستجابته لتضع القارئ في سياق إنتاج التأويلات . ينطبق هذا في هذه المجموعة فيما يلي :
1- استخدمت أسلوب تيار الوعي في قصص قصيرة وهو قليل الاستخدام في القصص القصيرة لأنه شائع الانتشار في الرواية أكثر من القصص القصيرة . وهو أسلوب يحتاج إلى قارئ مثقف ومثابر يعيد قراءة النص أكثر من مرة ويفكك أجزاءه ويعيد الترتيب والهيكلة .
2- الاعتماد على أسلوب اللاحدث المباشر نعم توجد انطباعات وأفكار وأحلام وكوابيس وهلاووس وتداعي حر ومناجاة وتذكر وعواطف وعلى القارئ استيعاب هذا واستنتاج الحدث .
3- اللغة نفسية المدلولات تركز على ما يعتمل بداخل البطلة الراوية دائماً والسرد المتداعي طويل ومكرر وهذا يحتاج إلى مثابرة القارئ .
4- غياب تقنيات العقدة والحل والحوار المباشر والزمن المباشر أيضاً يتطلب قارئ مثقف لا يبحث عن أدب قصصي تقليدي.
5- الاعتماد على الجانب النسوي من سرد وموضوعات وبطولة ورواية يتطلب قارئ لا يمل من التكرار أو من اللازمة التي أصبحت سمة غالبة في المجموعة .
6- الخيال أو الفانتازيا في الصياغة والأسلوب في قصص (مائة عام – عروس النيل – تداعيات العزلة) .
[6] بين الرواية والقصص القصيرة :
لن نقف عند تعريف الرواية والقصة القصيرة ولسنا في حاجة إلى تحديد الفواصل بينهما لأنه ليس هنا مجالاً مناسباً كما أننا نثق في
قدرة القارئ على التفريق بينهما .
طبقاً لنظرية الاستقبال واستجابة القارئ التي تتيح للقارئ الحق في المساهمة في إعادة تخليق النص وهيكلته طبقاً لقدرته وثقافته يمكن للقارئ ممارسة دوره الايجابي في إعادة الهيكلة داخل هذه المجموعة فيمكن للقارئ أن يستقبل هذه المجموعة على أنها رواية لا مكانية تطبق عناصر الرواية . ويمكن التلقي على أنها مجموعة قصصية كل قصة منفصلة لذلك أرى أن المجموعة تتأرجح بين القصص القصيرة إذا تمت قراءة كل قصة منفصلة وكذلك إذا نُشرت كل قصة منفصلة .
كما يمكن استقبال القارئ لها على أنها رواية مع شيء من التصرف كحذف قصص (شمعتان – فرعونيات) وهذا متروك للقارئ وربما يكون حقه تقف المجموعة بين الرواية والقصص كما يلي .
1- واحدية الطرح الفكري في قصص ( ظلال وحيدة – لوحة صامته يطل منها المحيط – خيول الموج – رسالتان – عيون – حلم سلمى – سلمى – صورة قديمة أبيض وأسود – وجود آخر) هذه القصص تطرح حاجة لأنثى للتآلف مع الرجل والبحث عن الحبيب والشوق للولد الغير موجود أصلاً .
2- وحدة اللغة فاللغة المستخدمة في كل القصص واحدة من حيث الأسلوب والمفردة والتراكيب وكلها تعبر عما في النفس والوجدان وكما تدل على المشاعر والانطباعات الواحدة المكررة عبر أغلب قصص المجموعة .
3- الاتكاء على الزمن الماضي عبر التداعي والتذكر ثم عودة إلى الحاضر من خلال المناجاة و المونولوج الداخلي .
4- الانتقالات المكانية قليلة فليس هناك تبعثر مكاني في المجموعة .
5- استخدمت الكاتبة تكنيك تيار الوعي وهو أصلا تكنيك خاص بالرواية الأوروبية على يد إدوار ديجاردن دولف وجويس ورتشارد سون .
6- استخدم تيار الوعي في روايات مصرية مثلما نجد عند مصطفى محمود – نجيب محفوظ – عبدالفتاح رزق – فتحي سلامة – فؤاد حجازي – يوسف القعيد – جار النبي الحلو – حسن محسب – محمد المنسي قنديل – كما يورد د.محمود الحسيني في كتابه تيار الوعي في الرواية المصرية المعاصرة.
7- لا ننكر أنه يوجد كتاب قصة قصيرة استخدموا تقنيات تيار الوعي منذ الأربعينات على يد ادوار الخراط ثم ازدهر في الستينات وما بعدها على يد أحمد هاشم الشريف – محمود عوضي عبدالعال – محمد حافظ رجب – محمد ابراهيم مبروك – كما يورد – د. عبد الحميد إبراهيم في كتابه القصة القصيرة في الستينات " و د. مراد عبدالرحمن مبروك في كتاب الظواهر الفنية في القصة القصيرة المصرية المعاصرة 1967 – 1984 مع ذلك يُعد استخدام تيار الوعي في القصص يُعد إلى حداً ما قليل الاستخدام ولا يشترط أن يستخدمه الروائيون فقط فهو ليس حكرا لأي اتجاه أو شكل أدبي .
من خلال توافر العناصر سابقة الذكر يمكن إلى حد ما بل وبشكل كبير استقبال هذا الكتاب (ظلال وحيدة) وهذه المجموعة على أنها رواية .
لقد قدمت الكاتبة جرعات لغوية ونفسية وراهنت على ثقافة القارئ في هذه المجموعة .
تمت بحمد الله
رمضان أحمد عبدالله القاهرة : 25/1/2011
الأحد ديسمبر 10, 2023 1:26 am من طرف ozorees_moslim
