انتصار الماضي في حكايات الوزير
· دراســـة في مجموعة حكايات الوزير لعلي عيد· ___________________________________________________ - تتعدد مجالات الابداع فيتنوع العطاء وربما تتداخل الأنواع من حيث التقنيات وربما نجد تقارباً في الأطروحات الفكرية . لذا ينتظر لقارئ من المبدع الذي يكتب أكثر من جنس أدبي تفوقاً وتعدداً في الأفكار والأنساق البنائية . ينطبق هذا على القاص علي عيد صاحب المجموعة القصصية (حكايات الوزير ) الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب 2009 حيث سبق للقاص أن أصدر أربع مجموعات قصصية وروايتين ومسرحيتين . إذن للقاص خضم إبداعي ورصيد أدبي متنوع الانتاج تحتوي المجموعة على خمسة عشر قصة ندخل إليها كما يلي .
[1] الرؤى :
ثلاثة اطروحات هي المسيطرة فكرياً على قصص المجموعة الخمسة عشر .
1-1 الحنين : أول ما تطرحه المجموعة من أفكار . في (شوارع متجاورة) نجد الزوج والزوجة لديهما حنين إلى شقتهما القديمة في حي الظاهر عندما يضجران من الحياة في المنطقة الفاخرة ويتذكران أيامهما في الجامعة . المريض في (الساق) وحيد دائماً يصاب في حادث سيارة ليلة عيد ميلاده ويتم تركيب مسامير في ساقه يحن إلى العودة إلى السير والحركة على ساقه . يحن الإنسان إلى ماضيه لا يفارقه شوقه في (عم شفيق) عم شفيق يجلس كل صباح أمام الدار على كرسي هذيل . يحن إلى أيام كان يأمر يطاع أمره وكان يمنع ويوقف الشجارات الان لا يستطيع بل داسته أقدام الشباب . يظل الماضي يطارد شخوص المجموعة . في (لماذا تركت شقة العائلة يا نادر) يحن نادر إلى شقة العائلة القديمة عندما أخرجه أهل الحي وبصقوا عليه لأنه مارس الجنس مع إحدى الصبيات . في (أشياء خاصة) يحن الزوج إلى أشياءه الخاصة وشقته التي عاش فيها مع زوجته المتوفاة . يجد أباها أخذ الأشياء لأنه متمسك بذكرى ابنته – فالأب والزوج كلاهما متمسك بالماضي. البطل الصبي في (مصرع الثور) يحن لمحبوبته الصبية التي داسها القطار . يبكي وأمه تحتضنه .
في (طاقية الاخفاء) الصبي الذي يلعب مع الأولاد . يحن إلى محبوبته نوال التي أخذها أبوها إلى المدينة بعد أن افتضح أمر اللعب عندما كان يخبأ البطل الولد الراوي الطاقية في صدرها وهي كانت تفرح بهذه الممارسة .
1-2 السقوط والفساد :
السقوط هنا هو الوقوع فيما هو مخالف للأخلاق أو القيم ويتبع هذا السقوط فساد . فالساقط غالباً فاسد . في (امرأة العشق والموت) يسقط الشاب الجامعي عندما يقرر الزواج من عجوز غنية . في نفس القصة أيضاً نجد شخص له ديون عند آخر يحاول الدائن اقناع المدين بالزواج من هذه العجوز الغنية ليأخذ الدائن ديونه . في (زين العمر) عندما كان الوزير شاباً سقط مع امرأة تنجب منه ولداً سفاحاً هو زين يكبر يعينه الوزير في وظيفة مرموقة ويحضر له من يعلمه القراءة والكتابة بل يصر على تعينه حتى ولو كان حماراً . يستمر الفساد في (الدفراوي) يتم ترقية المهندس الدفراوي بدلاً من الدكتور مصطفى إلى منصب وكيل الوزارة رغم أن الدكتور مصطفى هو الأقدم والأكفأ والأحق لأن الأول استطاع أن يحضر أنواع خمور ونساء للسيد الوزير حسبما يعترف الوزير للدكتور مصطفى الذي يكتب استقالته ويلقيها في وجه الوزير . في (فارس) يرتقي فارس إلى وظيفة عالية في الوزارة وهو الجاهل الغير متعلم لكن لديه مؤهل أخر ابنته الحسناء سكرتيرة الوزير في العلن وزوجته في السر ويظل فارس حلاق الوزير . يا له من مستقبل باهت غامض جاهل ينتظر أي دولة يعتلي فيها الفاسدون والجهلاء أعلى المناصب ويتم إهمال الجديرين . في (صفعة) يسقط الزوج الذي يقهر زوجته وهي تصبر وتتحمل اهاناته طوال حياتهما وفي يوم زفاف ابنته تراقصة الزوجة يعتقد أنها تأمره يصفعها أمام الجميع . ترد الزوجة الصفعة بصفعة أشد وقعاً يصمت لها كل شيء رغم ضجيج حفل الزفاف . الزوج الساقط مثل صاحب الحصان الساقط أيضاً دائم الاهانة لحصانه في (مشهد الغروب) عندما حطم الحصان العربة مثل الزوجة التي ردت الصفعة لزوجها .
1-3 البؤس والفقر : أخر ما تطرحه المجموعة فالشاب الجامعي يدفعه الفقر إلى العمل ماسح أحذية ثم يرضى بل ويصر على الزواج من عجوز تزوجت عشر مرات ومات عنها كل الأزواج . في (امرأة العشق والموت) . يهجر الأب ابنته ويسافر للخارج حتى تتزوج الأبنة من شخص في حجرة . يدفع هذا الفقر زوج الأبنة أن يربي ابنه مثله في (دوامات الأحزان الرمادية) . رجل يصل إلى سن الأربعين راتبه ثلاث مائة جنيه لا يستطيع الزواج من خلال هذا الراتب الضعيف . يقيم في شقة صغيرة بالقاهرة وهي المدينة التي حذرته أمه منها ومن كل شيء فيها لذا يعيش منعزلا تصاب ساقه في حادث سيارة يرقد في مستشفى التأمين الصحي وحيداً يعاني الوحدة وعدم الزواج .
[2] التقنية :
1-1 البناء والحبكة : تحتوي المجموعة على خمسة عشر قصة منهم خمس قصص كل قصة لها عنوان واحد بينما قسم باقي القصص إلى ثلاثة عناوين كل عنوان يندرج تحته عدد من الحكايات أو القصص فنرى حكايات الوزير تحتوي على ثلاث قصص (فارس – الدفراوي – زين العمر) وحكايات عنبر العظام تشمل أربع قصص (الساق – مشهد الغروب – عم شفيق – لماذا تركت شقة العائلة يا نادر) وأخيراً رائحة البراءة التي تضم ثلاث قصص ( مصرع الثور – العيال العرايا – طاقية الاخفاء) . هذا هو البناء الخارجي أما عن الأسلوب والحبكة يستخدم القاص أسلوب السيناريو المسرحي الذي يتولى فيه المؤلف تقديم المشهد المسرحي من خلال السرد ثم يدخل بعد ذلك الحوار . هذا الأسلوب مسرحي إلى حد كبير وبذلك أفاد الكاتب من ممارسته الكتابة المسرحية يكثر هذا التكنيك في صفحات وقصص المجموعة كما يلي :-
- في (شوارع متجاورة) صـ 8 – 10 – 11 – 12 – 13
- في (امرأة العشق والموت) صـ 18 – 19 – 21 – 23
- في (الساق) صـ 47 – 48 -49 – 50 / 52 / 53 / 54
- في (لماذا تركت شقة العائلة يا نادر صـ 70 – 79
- في (زين العمر ) صـ 80 / 81 / 82
- في (الدفراوي) صـ 84 – 85 – 86
- في (فارس) صـ 90 – 91 – 92
- في (أشياء خاصة) صـ 96
يقول في صـ 89 - 90 قصة (فارس) .
كان مكتب شئون العاملين بالوزارة يطل على النيل .. وعبد الستار أفندي المدير يجلس في حالة استرخاء .. يتطلع لمياه النهر الهادئ من الدور السابع .
خطر بباله فارس ، لماذا يترك له الوزير الحبل على الغارب ؟ كاد لا يعرف الإجابة ، وتمنى لو يوقفه يوماً عند حده ، وراح يفكر حتى أطل عباس أفندي زميل عمره وهو رجل تجاوز مثله الخمسين ، وأصبحا على أعتاب المعاش معاً .. حياه الرجل .. وجلس أمامه هامساً .
- أيوه يا عبد الستار يا أخي ، فيما تفكر .
- فارس .
- يبدو أنه تجاوز حدوده .
- رد ساخراً .
- يبدو !! لقد تجاوزها بالفعل .
أما عن أسلوب السرد الذي استخدمه في المجموعة . استخدم نموذجين .
أ- سرد حكائي في (شوارع متجاورة – زين العمر – صفعة – السر - عم شفيق – امرأة العشق والموت) يقص الكاتب بنفسه ويسرد هو أحداث هذه القصص بأسلوب السارد العليم .
ب- سرد بلغة الأنا من خلاله يتولى البطل الراوي في كل قصة عملية السرد في (دوامات الاحزان الرمادية – الساق – مشهد الغروب – أشياء خاصة – مصرع الثور – العيال العرايا – طاقية الاخفاء) .
مع هذين النموذجين السردين يستخدم حواراً باللغة الفصحى في اثنتي عشر قصة وحواراً بالعامية في ثلاث قصص (أمرأة العشق والموت – شوارع متجاورة – صفعة) .
2-2 التوازيات : يستخدم القاص ضمن تكنيك الكتابة طريقة التوازي يأتي هذا الاستخدام بارعاً وجيد التوظيف . يقيم توازيات بين أغلب شخوص المجموعة فيما يقارب أحد عشر نموذجاً تسير جنباً إلى جنب مما يخلق حالة تجانس نفسي وفكري بين هذه الشخوص المتوازية أو بين الشخوص والأشياء نرى التوازيات كما يلي:-
- الزوج وزوجته (شوارع متجاوره) = يوازيان ويساويان الشوارع المتجاورة نفسها فعلاقة التجاور والمعايشة تجمع بين الجميع .
- سنين الغربة (دوامات الأحزان الرمادية) = انهيار حياة الابنة .
- عم شفيق ( عم شفيق) = الكرسي الهزيل تجمعهما حالة الضعف والوهن والهزال وتقادم العمر .
- الشاب الجامعي الفقير (امرأة العشق والموت) = هو الشاب الفقير الذي يتزوج الابنة التي سافر ابوها للخارج (دوامات الاحزان الرمادية) .
- المريض في عنبر العظام (الساق) = هو نفس المريض (مشهد الغروب) تجمعهما الحادثة وكسر الساق وإجراء عمليات جراحية.
- الدكتور مصطفى المرشح لمنصب وكيل الوزارة (الدفراوي = هو عبدالستار (فارس) كلاهما أحق بالترقية وأجدر لكن تضيع منهما ويأخذها من هو أقل جدارة .
- عاشقة الوزير وهو طالب (زين العمر) = هي سلمى السكرتيرة وزوجة الوزير في السر (فارس) الأولى سقطت وعين الوزير ابنه السفاح منها وتولى منصب رفيعاً والثانية تزوجت سراً وعين الوزير أباها الحلاق في وظيفة مرموقة .
- فارس الحلاق الجاهل (فارس) = هو زين العمر (زين العمر) يجمعهما الجهل وكل منهما يحصل على منصب رفيع .
- البطل الراوي (مصرع الثور) = هو البطل الراوي (أشياء خاصة) كلاهما يحن إلى محبوبته . الأول يحن إلى محبوبته التي داسها القطار والثاني إلى زوجته المتوفاة .
- الصبية التي داسها القطار (مصرع الثور) = هي الزوجة المتوفاة (أشياء خاصة) كل منهما توفت ولها من يحبها .
- البطل الراوي (العيال العرايا) = هو البطل الراوي (طاقية الاخفاء) كلاهما فارس اللعب الصبياني الطفولي والشوق الطفولي لأنثى صبية .
[3] الكائن الطيني وانتصار الماضي : رؤية في التحليل النفسي الكائن الطيني هو الذي يميل إلى الرجوع للماضي مهما بلغ من الكبر العمري نجده يتحرك في العصر الحالي بينما عقله يرجع ويحن للماضي بأحداثه وذكرياته فهو كائن له نكوس . تجئ هذه الانتكاسة غالباً نتيجة صدمة قديمة أو حديثة لها تأثيرها الفعال . إذن هناك حالة استرجاع للذكريات دائمة يحياها الكائن المنتكس بينه وبين نفسه تظهر في منطقة اللاشعور وكثيراً ما تظهر في بؤرة الشعور فيصبح لها حضور طاغ كما يجئ في مقولة الكاتب الفرنسي جوستان فلوبير (1812 – 1880) " بينما يواصل جسدي رحلته فإن أفكاري لا تفتأ تلتفت إلى الأيام الخوالي " ... هنا ندرك أن الماضي دائم الحضور فأحداثه وينتصر بكل مكوناته الوجدانية والمكانية والثقافية .
تنطبق هذه الرؤية في هذه المجموعة كما يلي : -
- في (شوارع متجاورة) يحن الزوجان إلى الشقة القديمة في الظاهر ويندمان على تركها والإقامة في شقة جديدة في حي الشيخ زايد .
- في (امرأة العشق والموت) يحن هاشم للهروب والعودة إلى مكان قبل زواجه من المرأة العجوز .
- قصة (الساق) يحن الراوي المريض إلى السير على ساقه كما كان في الماضي .
- قصة (عم شفيق) يحن عم شفيق إلى فتوته وسطوته باشارة من يده في الماضي بعد أن داسته أقدام الشباب في الحاضر .
- قصة (لماذا تركت شقة العائلة يا نادر) يحن نادر للعودة إلى شقة العائلة بعد ما طرده الناس وبصقوا عليه .
- قصة (مصرع الثور) يحن البطل الصبي لمحبوبته التي داسها القطار ويبكي في حضن أمه .
- قصة (العيال العرايا) يحن البطل الصبي إلى نوال الصبية التي أخذها أبواها إلى المدينة .
- قصة (أشياء خاصة) يحن البطل الراوي إلى ذكرياته مع محبوبته المتوفاة ويعود إلى شقة الزوجية ليرى الأشياء التي تذكره بمحبوبته .. في هذه النماذج رأينا حنيناً جارفاً من جانب الأبطال لماضيهم بكل محتوياته .
[4] الجانب الأخلاقي ورؤية الكتابة :
دارت معارك كثيرة وتصارعات بين المذاهب الأدبية حول غاية الأدب وهل يجب أن يكون للأدب غاية أم لا ؟؟ وهل هو أدب شرح وتفسير أم هو للتهذيب ؟؟ وهل هو ذاتي أم موضوعي ثم تعقد الأمر بنمو التفكير الفلسفي . استنبط الأدب غايات جديدة والغريب أن كل مذهب دافع عن غايات الأدب طبقاً لما يراه هذا المذهب . فغاية الأدب عند الكلاسيكين تختلف عنها عند الرومانسيين وغيرهم من الاتجاه الواقعي بأنواعه المختلفة . من المذاهب ما يرى أن غاية الأدب هو الترويح عن النفس وآخرين نادوا بنظرية الفن للفن وربما هذا كان وراء نشأة الدعوة إلى أدب ملتزم بالوقت الحاضر وهو ذاك الذي يحارب الذاتية ويعرف المواجهة طبقاً لما يرد في كتاب الدكتور محمد مندور (الأدب ومذاهبه) الصادر عن مكتبة نهضة مصر .
أما عن هذه المجموعة نرى الجانب الأخلاقي يمثل رؤية الكاتب للكتابة فيحاول القاص تحقيق ذاته الابداعية من خلال التحليل والارتكاز على جانب أخلاقي اجتماعي انساني بعيداً عن الجانب الاجتماعي الماركسي .
نجد هذا الجانب الأخلاقي متحققاً فيما يلي :
1- " شوارع متجاورة " قصة تمثل الخروج من الوطن أو الدار والندم عليه .
2- " امرأة العشق والموت " الزواج من سيدة عجوز غنية والندم عليه رغم حالة الفقر .
3- " دوامات الحزن الرمادية " الخروج عن طاعة الأب وخسارة هجرة الأب والتفسخ الأسري .
4- " الساق " كراهية وتحذير الأم من القاهرة وناسها وشوارعها وهجرة البلدان والهروب إلى القاهرة للبحث عن عمل ولأنها الأفضل .
5- " مشهد الغروب " فيها القهر والإهانة ثم رد الإهانة بأقوى منها .
6- " عم شفيق " ضياع هيبة الكبير وعدم احترام الصغير له .
7- " العيال العرايا " نجد إهمال الأب أبنته وتركها عند جدتها حتى مارس معها الصبية .
- هذه هي ظلال الجانب الأخلاقي الموجودة في المجموعة .
[5] همسات مضادة :
1- قصة (امرأة العشق والموت) بها ترهل في السرد وتحتاج إلى تكثيف .
- تفصيل مشهد العزاء لا مبرر له .
- بداية القصة صـ 15 أول 8 سطور زائدة .
2- قصة (دوامات الأحزان الرمادية) تحتاج إلى تكثيف .
- صـ 33 أول 13 سطر زائدين .
3- قصة (الساق) طول السرد في مشهد زيارة المريض وتفصيل اجراء العملية الجراحية طويل .
- صـ 43 السطرين قبل الأخيرين (التي يحرص ولده الطالب الجامعي في كلية الاعلام على جلبها له ، زائدين .
4- " قصة مشهد الغروب " صـ 56 كلها سرد وتفاصيل يمكن حذفها .
- صـ 57 أول خمسة سطور زائدة .
- صـ 71 (لأختي الوحيدة مع زوجها في دمنهور ) سبق قولها في صـ 70 .
5- قصة زين العمر صــ 83 أخر سطرين زائدين .
6- قصة الدفراوي صـ 86 (هل تعرف أنواع الخمر ؟ هل تعرف واحد حلوة) هذه عبارات مفهومه مما قبلها .
7- قصة عم شفيق تم وضعها خطأ تحت عنوان (حكايات الوزير) وليس لها علاقة بالثلاث حكايات الباقية تحت هذا العنوان .
رغم هذه الهمسات قدم القاص مجموعة متنوعة من لغة وتقنية وأسلوب سردي وتوازيات يؤكد بها مقدرته القصصية وخبرة الكتابة المتنوعة .
رمضان أحمد عبدالله القاهرة في : 3/6/2010