· الهزيمة والحضور
· دراســـة في مجموعة " وفيم أنت تفكر " للقاص محمد الدسوقي__________________________________ - تمثل الكتابة لديه محورًا هامًا فهو لا يكتب موضوعات تقليدية ويستخدم لغة عذبة يبذل فيها جهدًا كبيرًا في الصياغة كما أنه يجيد تقطيع اللحظة الشعورية واستيعاب كلمات توصل الأحساس بعمق فهو قاص ناقد وشاعر يمد يده في البئر الإبداعي حيث صدر له ثلاث مجموعات قصصية ودراسة نقدية ودراسة أدبية وترأس مؤتمرات أدبية وعضو كثير من المنتديات الأدبية إنه المبدع محمد الدسوقي صاحب مجموعة " وفيم أنت تفكر " الصادرة عن سلسلة كتاب المرسم الإبداعي تحت إشراف الفنان أحمد الجنايني عام 2008 .
[1] الطرح الموضوعي :
تُعتبر الهزيمة هي الموضوع الأكثر حضورًا في المجموعة في "تذوق" نرى هزيمة الراوي حين يتجرع أخر رشفة في الفنجان وكأن المرارة تعادل الهزيمة من امرأة يتمزق قميص الراوي وينهزم في (تهيؤ) بين الصحو والنوم يتطابق ظل المرأة فوق ظله فيخنقه ويتمزق قميصه لتستمر هزيمة الأنثى للراوي على المستوى النفسي والسردي . فتاة تقتحم الشاعر في (انفعال) فيسقط معها سقوطًا أخلاقيًا وعندما يفيق إلى وعيه ويحاول نسيان هزيمته يجد فتاته الأولى سافرت مع رجل خارج البلاد وكأنه قدر الراوي أن تستمر هزائمه . فدائمًا الأبطال منهزمين فالفجوة بين خريج مرتبة الشرف وبين زميلته عميقة يقعى ويغطي وجهه في (وامرأة أخرى) يدوس الناس ملامحه وهي تبكي لقد هزم الفارق الطبقي البطلين . تداعيات الزمن المر لها فعلها على (ابن جاد الله ) صاحب الاتجاه الناصري الذي تقهره ظروف الحياة فصار يخاف كل شيء ومن أي شيء حين رأى بناته الثلاث وابنه الكبير ثمة " تربص " من رجل شرطة لشخص سجين فهو يصف لنفسه كيف كان يعذبه لانتزاع الاعترافات إن هذا الشرطي قاهر والغريب في صمت المسجون يقهر الشرطي . يطرح الكاتب رؤيا معاكسة قصة في " واستلاب" يتجسد الراوي لنفسه في صورة أحمد بن حنبل بين يدى المعتصم وحاشيته تتنزل السياط فوق الجسد الحنبلي لانتزاع اعترافًا بأن القرآن مخلوق تجاه صمود المقهور يرتعش الخليفة ويلصق وجهه بالحائط من عبء المواجهة في رمزية إلى هزيمته . في "الحكاية" يصور لنا القاص تجبر الكبير تجاه رعيته الذين يرهبهم بسيفه ويخلق من خياله جيوشًا يقتلها ويترك الجثث متفاخرًا بضعف الرعية هذا المتجبر يتملكه الرعب حين يقتحم بيته لصًا كما ظنه لكنه يفاجأ أن المدعو لصًا إنما هو كلب لندرك أنه مجرد صنم كبير يرهب أصنامًا أصغر . هو الجُبن والقهر في " وما أدرك " جبناء مقهورون كما الأصنام في "الحكاية" لا يجد صاحب القصر عصافيرًا بعد أن أنهت بندقيته كل العصافير فوق أشجار قصره فيعمل بندقيته في أحد الخدم وفي النهاية يتجه إلى صلاته ومسبحته .
[2] الطرح التقني :
2-1 البناء : تحتوي المجموعة على إثنتا عشر قصة يعتمد القاص على أسلوب الثنائيات في البناء الشكلي الخارجي فيضع عنوانًا قبل كل قصتين وفي نفس الوقت كل قصة لها عنوان عدا أول قصة وضعها بمفردها وكذلك آخر أيضًا بمفردها . أما عن الحبكة تسيطر على القصص حبكة التدفق الطبيعي للجمل والتتابع دون فواصل أو علامات حتى في القصص المكونة من فقرات يفصلها فراغ فضائي فقط دون فواصل بين الفقرات مع تكثيف وتركيز سرده وحواري متفاعلين في توصيل عمق الإحساس لكل شخصية وموضوع حيث نجد الجملة القصصية تمثل لحظة نفسية عميقة التحليل ومتجذرة داخل كل شخصية .
2-2 السرد والحوار : يتمتع القاص بمقدرة رائعة على سرد قصصه فالسرد عنده يحمل شحنات لغوية ونفسية وهو أيضا سرد ممتد لكثرة الجمل المتتابعة مما يعطي مؤشرًا بثقافة القاص الفنية فهو يكتب قصصه متمهلاً دون عجلة ومتأنيًا تأن فكريا وفنيًا يسهل له التمكن من صياغة الجمل بحرفة ودقة . يتنوع أسلوب السرد لديه كما يلي
- سرد بلغة الأنا فالراوي شخص يخاطب الآخرين عن نفسه فيبرز ضمير الأنا مباشرًا ومواجهًا للآخرين في قصتي (تذوق – تهيؤ).
- سرد للأنا شخص يخاطب نفسه في قصص (ابن جاد الله – تربص – واستلاب).
- سرد عن الأنا في قصة (عشرة جنيهات) امرأة تسرد عن نفسها للآخرين .
- سرد مباشر يأتي في باقي قصص المجموعة فيسرد الكاتب بنفسه عن الآخرين .
- أما عن الحوار فهو أيضا يوضح المقدرة اللغوية رغم قلقه لاعتماد القاص السرد الكثيف الغير مترهل . تنطق شخصيات الكاتب في حوارها باللغة الفصحى ونجد الآتي في الحوار .
- حوار متداخل مع السرد في قصص (وإنفعال – عشرة جنيهات –
واستلاب – تربص – الحكاية) سواء لحال الحوار أو قصر فهو مشارك في الحبكة والصياغة وفي صـ 17 قصة " وانفعال "
قالت ضاحكة
أعلم أنك فارس الكلام . فما تقول في الربيع ؟!
قال مختلجًا :
لقد هجرتني الأغاني منذ زمن بعيد .
تساءل ما الذي يدفعها باتجاهه ؟
إنتابته لحظة بوح داخلي . لقد حلم طيلة حياته أن يتواجد بامرأة ، ولديه من الشغب ما يكفي ويقبض لكن شيئًا يتعاصف بداخله يضطرم .
2-3 اللغة: اللغة عند القاص تحمل شحنات نفسية تفجر طاقة القدرة على التصوير النفسي على مستوى جمل قصيرة متتابعة فنرى الكاتب يستخدم مفردات غير شائعة على الرغم من كونها عربية أصيلة مثل كلمة (يبترد) صـ 37 . و( تلوبين – اكتهلت) صـ 43 (اندلف) صـ 26 (يتعاصف) صـ 15 (يتطارحه) صـ 17 .
أما على مستوى الجمل والتراكيب نراه يورد تراكيبًا غير شائعة ولم تلوكها ألسنة وكتابات عامة الكتاب في صـ 17 أعضاؤها إنتثرت صـ13 جغرافية من التحويرات تتمظهر كائنا سديميا لا حدود له – صـ17 يتطارحه الوعي واللاوعي – صـ 19 أنفاسها مفعمة بالضياع تبدو ضابية مدخنة في شعاع صـ 26 إندلف داخل حجرة أخرى فرحت تلوبين مرتبكة مثل قطة خائفة .
صـ 31 استرقته لحظة إفاقة صـ 39 غمرتك غلالة من دهشة – يتكرر كثيرًا مثل هذه الجمل على مدار المجموعة إنما هذه أمثلة ليست حصرًا كذلك نجد قدرته في الوصف الدقيق في قصص (واستلاب – وما أدرك) وأيضًا نجد براعة السرد والحوار معًا بينما تتجلى بارعًا في السرد في قصص (اجترار – تذوق) صـ 55 في واستلاب يقول: وسقطت يا ابن حنبل في قصر الخليفة كما يسقط الحجر الأصم في بحر راكدة مياهه والذي زمجر بصوت فائر
- إدنوه مني
ادنوك – ككومة منبعجة – فالتف الناس حولك يحدقون بك ، يبدو على وجوههم صمت الدهشة والقلق – يبرز بينهم الجاحظ بعينيه البارزتين وسرواله الفسيح وبين يديه كتاب الحيوان منتفخًا .
[3] الحضور : يوجد حضور رباعي الأبعاد يتمثل في حضور الظل والتراث والأنثى والسيميولوجيا .
3-1 حضور الظل : الظل في المفهوم العام هو خيال الشخص وربما هو شبيه الإنسان وفي وقت ما يفوق شبيهه طبقاً لمساحة الضوء . للظل مدلول نفسي حين يرى الإنسان نفسه ويقف مع نفسه يحدث ظله حين لا يجد من يحادثه أو حينما يهرب من الناس لذلك ربما يتوحد الفرد مع ظله فيرى في هذه المجموعة يتواجد الظل ومفرداته حوالي 12 مرة متوزعة كالآتي .
- صـ14 ظلي تكررت 4 مرات . ظلها تكررت مرتين – الظلان مرتين .
- صـ31 ظله مرتين / صـ 45 ظله مرة واحدة / صـ 69 الظلال مرة واحدة .
3-2 حضور التراث : يحظى التراث التاريخي باهتمام لدى القاص على مستوى التوظيف والفعل والقول . عند حدود التوظيف في قصة (واستلاب) استحضر واقعة أحمد بن حنبل مع الخليفة المعتصم حول قضية خلق القرآن وأزليته وكذلك انتصار الفقيه وهزيمة الجبار – في قصة (تهيؤ) يستحضر واقعة تمزيق قميص يوسف من جانب امرأة العزيز – وأخيرًا في قصة (الحكاية) يستلهم واقعة تحير الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق الذي قتل وبطش بالكثيرين من الرعية والأئمة . من زاوية الفعل في قصة " واستلاب " كذلك الكرابيج على جسد بن حنبل بينما يصمد هو وينهار الظالم . كذلك في قصة " تهيؤ " يدافع الراوي عن قميصه ويتشبث به فهو على استعداد تام من أجله أن يبكي . ثالث مستويات الحضور التراثي هو القول في قصة (واستلاب) يورد مقولة المعتصم " لا توحيد لمن لا يقر بأن القرآن مخلوق " . في قصة (الحكاية) يورد عبارات صريحة قالها الحجاج للناس مثل " إني لأحتمل الشر بحمله وأحذو بنعله وأجزيه بمثله .. " ويورد أيضا في نفس القصة صـ 64 قول الحجاج " أنا إبن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني "
كذلك أخر سطرين في صـ 64 وأول سطرين صـ 65 يستخدم مقولات من أقوال المماليك لأحد الأمراء الظالمين المغتصبين.
3-3 حضور الأنثى : تتواجد الأنثى وتبرز كعنصر مشارك وفعال في ثلث قصص المجموعة أي في أربع قصص تأخذ الأنثى صورة القاهرة أو الهازمة في ثلاث قصص هي (تذوق – تهيؤ – وانفعال) بينما هي مقهورة في قصة (عشرة جنيهات) وسبق الحديث عن ذلك في الطرح الموضوعي حين أشرت إلى الهزيمة كموضوع مطروح داخل المجموعة كلها .. كذلك نجد حضور الأنثى على مستوى العناوين إلى جوار حضورها على مستوى الفعل القهري للأبطال نجد العناوين إلا أن تكون امرأة وأيضًا امرأة أخرى رغم قلة ظهور الأنثى في المجموعة إلا أنها فاعلة وشديدة الحضور في الأربع قصص سالفة الذكر .
3-4 حضور السيميولوجيا : السيمياء أو السيميولوجيا أو السيموطبقيا هو علم دراسة العلامات والإشارات . ينتمي هذا العالم إلى أصول بنيوية لأن البنوية نفسها هي منهج لدراسة الأنظمة الاشارية . يرى البعض أن السيميولوجيا ليس معنيا بالدرجة الأولى بإنتاج التأويل والتفسير بقدر ما هو معني بكشف تحقيق المعاني وتكوَّن التفسير وكذلك تعني بلغة الأداء باعتبار أن اللغة رموز وعلامات من خلالها يتحقق المعنى . العلامات لها دوال ومداليل وعلاقة تربطهما ببعض . نجد حضور السيميولوجيا فيما يلي :
- طريقة تقطيع الجمل والفصل بينهما وكتابتها رأسيًا تحت بعضها صـ 7 وصـ 73 .
- تداخل السرد والحوار والفراغات بين الجمل وأيضًا كتابة الجمل بشكل رأسي وشكل أفقي في صفحات 17-18-19
- الفراغ في صـ 17 بين الفقرة الأولى والثانية وصـ 19 بين الفقرة الأخيرة وما قبلها .
- الفراغ صـ 38 من الفقرة الأولى والثانية وكذلك بين الفقرة الثانية والثالثة وكذلك الفراغ في صـ 31 بين الفقرة الأخيرة وما قبلها .
- النقط . نقطتان في عنوان قصة ( و... ابن من ) والفصل بين حرف الواو وكلمة ابن .
- النقط بين فقرة / وفقرة 2 صـ 29 – 30
- النقطتان قبل عنوان قصة (.. واستلاب)
لا يضع الكاتب هذه العلامة هباءاً لمجرد التمنظر وإنما لها دلالات فتحتاج إلى قراءة النص بتأن لتفسير هذه العلامات ليتحقق المعنى المراد .
[4] المراهنة على القارئ :
تركز الكتابات الجديدة على القارئ وتجعله طرفًا في العملية الإبداعية . هذه الكتابات يكتبها أصحابها بأشكال غير تقليدية وينوعون في طرق التناول والطرح لذلك تدخل هذه الكتابات حلبة المراهنة على القارئ ووعيه وقدرته على تكوين المعاني والتفسير . وربما تعطي القارئ الحق في الاستفتاء عن المؤلف لا باعتباره ميتًا لكن على الأقل يختبأ المؤلف . هنا لابد للقارئ أن يكون على وعي بنوعية هذه الكتابة ولخرق الدخول إليها مما يحيلنا إلى نظرية الاستقبال والاستجابة . عند القاص تتمثل نقاط المراهنة على القارئ كالآتي :
- قصة ( عشرة جنيهات ) لم يحدد العلاقة بين المرأة والرجل
الذي دخل الحجرة الأخرى تركها للقارئ .
- تداخل السرد مع الحوار صـ 14–17– 18– 20–21– 29– 30-31 ترك للقارئ يفصل بينهما ويحدد أيهما سردًا وأيهما حوارًا .
- طريقة الكتابة وتقطيع الجمل في صفحات 7–17–18–19-73 .
- طريقة السرد الطويل في وصف المشهد القصصي صـ 38 صـ40 صـ 45 حيث يجد القارئ تدافعًا للجمل الوصفية والنفسية بالدرجة الأولى مما يصعب مهمة التأويل والتتابع لدى القارئ.
- ترك للقارئ يبحث عن مدلول العلامات والفراغات كما سبق الإشارة في حضور السيميولوجيا .
- لم يشر إلى قائل بيت الشعر صـ 64 مراهنًا على ثقافة القارئ بأنه سيعرف القائل .
- قدم القاص جرعة قصصية دسمة تدل على تملكه لأدواته وأتساع وعيه وثقافته وقدرته اللغوية ودقة التعبيرات .
تمت بحمد الله
رمضان أحمد عبدالله القاهرة في 31/9/2009