القهر والصمود في الباب الموارب
· دراســـة في مجموعة الباب الموارب لعبدالناصر العطيفي· _________________________________________________________________ - الباب الموارب هو تعبير عن الانفراج والأمل والترقب أيضاً . ولدينا في المعاملات اليومية قول سائر " سيب الباب موارب " لا تغلقه كله ولا تفتحه تماماً فقط أجعله مفتوحاً بعض الشيء أي واربه تحسبا لما هو آت .
في مجموعته (الباب الموارب) الصادر من دار الأدب الحديث عام 2008 يطرح عبدالناصر العطيفي مفهوم الأمل والانتظار للغائب .
1- بطولة الموضوعات :
للموضوعات حضور هام داخل المجموعة لذلك فهي تمثل إحدى البطولات وربما أعلاها من هذه الموضوعات .
1-1 القهر :
يتجسد القهر بمعناه التسلطي من قوى فوقية تسلب الإنسان إرادته في (اللعنة) يتجه أب إلى السجل المدني يثبت إبنه في سجل المواليد باسم " بوش " فيعترض الموظف فيتصل به مسئول أعلى ويجبر الموظف على تسمية المولد المرغوب فيه فالموظف مقهور أن ينفذ هذا الأمر ليتها عند هذا الحد لكنه حين يركب المترو يجد بجواره سيدة تهدهد إبنها بنفس الاسم " بوش الدين " في هذا دلالة القهر والكراهية لهذا الرمز الغربي المجسد بجبروت الطغيان الأمريكي والتسلسل إلى كل شيء وخيانة المسئول الذي أجبر الموظف على قبول الأمر في (رائحة الطريق) حيث يمنع العمدة الناس من المرور بجوار السور فيضطر الصبي أن يأخذ طريق المقابر في ذهابه للحقل بما لهذا المكان من وحشة ورعب لما له من قصص تروى حوله بين الصغار .
في (يوم الافتتاح) هذا الرجل المحارب الذي تم أسره في هذا المكان ويصبح ثريا فتقتله الدبابات يوم الافتتاح للفندق . في (إفلاس) البطل مقهور مادياً فهو لا يملك تكاليف الزواج ثم في (أركض وحيداً) تقهره المدينة فهو ليس على وفاق معها ويتذكر قريته حين لم يجد متر قماش فيضطر للذهاب إلى المدينة .
1-2 الصمود إلى النصر :
ينطلق الكاتب من القهر إلى الصمود حتى النصر فلا يقف عند رصد القهر لأن لكل قهر صمود يواجهه حتى النصر . في (على الزناد) يصور الكاتب رجلاً عجوزاً بيد واحدة يتأهب للطائرات التي تحلق في سماء بلده متطرقاً في ذاكرة الأحداث إلى مشهد ذلك العجوز العراقي الذي أسقط طائرة أمريكية حين غزت جيوش أمريكا ومعها تحالف جيوش بعض الدول عام 2003 .
في (رائحة الطريق) يقول الفلاح لابنه أن يعود من جوار سور العمدة في طريقه للبيت بعد أن ذهب إليه من طريق المقابر . في (لحظة تتويج) يجسد صورة البطل الذي شنقه أعداءه في صبيحة يوم العيد وهو صامد رافعاً رأسه يبصق في وجه شانقوه ويتمتم بذكر الله متطرق إلى المشهد التاريخي لإعدام الرئيس العراقي صدام حسين على يد الغزاة الانجليز – الأمريكان يوم عيد الأضحى 2007 .
في (تباشير الصباح) يجسد رغبة الولد الصغير في امتلاك بندقية حين رأى صورة الأعداء يقتلون ويدمرون والمرأة العجوز صامدة عبر شاشة التلفاز وأخيراً في (إصرار) رجل أخذت منه حاجاته حين غفل عنها حين ضغط على الأرض بقوة وكشر عن أنيابه أستردها جميعاً .
1-3 الهمـــوم :يحظى موضوع الهموم بحضور كبير ولكن لكل هم معنى وموقف مختلف عن الآخر في (بجوار بائع الذرة) يعبر عن الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة وإلقاء الشعر والذهاب إلى الندوات .
في (مواصفات خاصة جداً) يربح الرجل جائزة وحين يخبر أولاده ظنوه مريضاً لكنه يقنع الطبيب الذي يعالجه من اللامرض فيذهب معه الطبيب لأخذ الجائزة حيث تنطبق عليه الشروط فالكل يجري والكل يريد في (ظلال) يعبر عن الهم الوطني حين يستوقف أفراد الكمين كل من أبناء الشعب للاشتباه تاركين الأجانب يمرون بسلام ليصل لنا مفهوم أنا وطني إذن أنا مشبوه ويتحول الرجال إلى مجرد ظلال صامته في (وقت الأذان) نهب وغش أثناء الأذان والمهندس الغشاش يرتدي قناع التقوى من مسبحة طويلة وزبيبة في وجهه . أخر محطات القهر في (الباب الموارب) يعبر عن هموم سيدة سافر زوجها ولم يعد . الأرض تحتاج إلى من يفلحها وهي تحتاج إلى من يخضر حياتها فتترك الباب موارب مفتوح بعض الشيء انتظاراً للقادم المأمول فيه وأخيراً تجئ قصص الأفكار المكثفة التي هي بمثابة شكل مختلف عن باقي القصص لأنها من قصة الومضة هذه القصص هي (إصرار – تألق – مطاردة – علاقة – جد – فئران – اعتذار) معانات الفكر والكتابة (جد – اعتذار) ثم الانطلاق في (تألق) والرصد فقط في (علاقة – فئران) تعطيك قصة لوحة .
2- التقنيــــة :
يعتمد القاص في بناء قصص على التدفق المستمر للمشهد القصصي .
2-1 البنـــــاء :
أما عن البناء الشكلي الخارجي يرتكز تتابع الأحداث دون فصل بين أجزاء القصة في قصص (ظلال – رائحة العيد – تباشير الصباح – بجوار بائع الذرة – وحيداً أركض – عند الملائكة – على الزناد – علاقة – مطاردة – وقت الآذان – تألق – عالم سمسم) لكنه يستخدم نظام الفواصل بين أجزاء الأحداث على شكل ثلاثة نجوم بين كل مقطع وأخر عندما ينتقل من مشهد أو من مكان إلى مكان أو من نقطة إلى أخرى في قصص (اللعنة – مواصفات خاصة جداً – الباب الموارب – لحظة التتويج ) هنا تجئ اللقطات متتابعة مكملة لبعضها فلا يمكن قراءة أي مقطع منفصل عن سابقه ولاحقه ثم يلجأ الكاتب إلى شكل للفصل بين أجزاء الأحداث في قصة (نوته) يستخدم الفواصل أرقام من 1 إلى 5 ليعتمد على تقطيع المشاهد المتصلة موضوعاً وأخيراً يستخدم شكل القصة القصيرة جداً أو ما يسمى بالقصة الومضة المأخوذة من الشعر العربي الحر المعاصر الذي استقاها من الشعر الانجليزي وهي إبيجراما أو الومضة هي قصة صغيرة جداً ربما للموعظة أو مشهد أو حدث مع تكثيف المشهد في أقل عدد من الكلمات والتراكيب اللغوية وللومضة دلالة فلسفية لتصوير وفكرية تحتاج إلى قارئ مثقف يفهمها وإلى مبدع قادر على صياغتها . تتوفر قصص الومضة في (تألق – إفلاس – إصرار – اعتذار – مطاردة – علاقة) .
2-2 الســــرد :
يجئ السرد تعبيراً عن مقدرة الكاتب على صياغة أفكاره فالسرد يدعمه التمكن من اللغة التي تجئ متدفقة دون مطبات فهي سهلة مناسبة لما قصدت منه كذلك من دعائم السرد لدى الكاتب قدرته على صياغة اللحظة القصصية في مشهد درامي فعال متفاعل مع الحدث فيستخدم السرد المباشر ليصل أو يوصل الفكرة بسهولة لكنه في قليل من القصص مثل (أبو كوز – الباب الموارب – وحيداً أركض) يستخدم طريقة الاسترجاع للماضي أو ما يسمى بفلاش باك فهو يسترجع من الذاكرة بعض مواقف الماضي ثم يعود للحاضر في آخر القصص المذكورة . أما حرفة القص عند الكاتب متوفرة بخبرة وثقافة فهو يعني دائماً بالغائب ويقص عن الغائب ثم يستخدم القص بلغة الأناني (تباشير الصباح – اللحظة – أبو كوز) ثم يلجأ إلى المخاطب فيخاطب البطل في (رائحة العيد).
2-3 الحــــوار :
لا يشكل الحوار في هذه المجموعة أهمية كبيرة وليس هذا عيباً لكن هذا يرجع إلى تقنية أسلوب الكاتب فجاءت الحوارات قليلة لأنه ارتأى لنفسه لغة السرد والقصص . يتواجد الحوار في ست قصص من أصل ستة وعشرين قصة تحتوي عليها المجموعة الحوارات نراها سهلة لأن الشخوص غالباً بسطاء فليس هناك تعقيد أو فلسفات . يستخدم الكاتب اللغة الفصحى في قصتي (مواصفات خاصة جداً – بجوار بائع الذرة) باعتبار أن ثقافة ومستوى الأشخاص يسمح بذلك ففي الأولى رجل يعتقد أنه مريض وطبيب يعالج هذا المريض في القصة الثانية رجل قد يكون شاعراً أو مثقف وزوجته يتحدثان الفصحى دون أي حدود ومستوى ثقافة الزوجة لكنه يظل هذا الحوار مقبول ثم يلجأ القاص إلى الحوارات باللهجة العامية في قصص (تباشير الصباح) بين طفل وأبيه وفي (عند الملائكة) بين الأطفال والأب الأم وفي (رائحة العيد) بين الأب والأم والابن . في (اللعنة) بين الموظف ورئيسه ووالد الطفل.
3- المفارقــــة :تمثل المفارقة إحدى العلامات التي يستخدمها الكاتب في القصة القصيرة تقع المفارقة غالباً في نهايات القصص لتعطي دلالة ومعنى. هنا تعتبر المفارقة إحدى ركائز القاص التي أستند إليها في قصصه فتجئ مفاجئة للقارئ في (اللعنة – يوم الافتتاح) لتعبر عن ارتباط العلة بالمعلول .
الارتباط في (يوم الافتتاح) يقتل البطل الثري المحارب السابق الذي تم أسره منذ ثلاثين عاماً يتم قتله في نفس مكان أسره الذي بنى فيه فندقا هذا الارتباط يحيلنا إلى معادل موضوعي هام وهو أن أماكن الحروب والشهداء أصبحت مرتعاً وأماكن للهو . فهناك فكرة مسكوت عنها لم يصرح بها القاص فعندنا أماكن معارك مثل شرم الشيخ وشمال سيناء في العريش ودير سانت كاترين دارت على أراضيها أشرس المعارك و شهدت صفحات النضال الشعبي والعسكري الآن أصبحت شواطئ ومصايف وفنادق يدوسها أفواج من السائحين ربما من الأعداء لكنه تحول الدم الذي مازال ممتزجاً بالرمال صار مدقات وطرق تدوسها الأحذية والخمور والعري .
· في قصة (اللعنة) والد طفل يريد تسجيل اسمه باسم " بوش الدين " يعترض الموظف في مصلحة السجل المدني فيأتيه صوت مسئول أعلى يطلب منه تسجيل الاسم كما أراد والد الطفل ليتها عند هذا الحد الموظف أخذ المترو ليعود إلى بيته وجد بجواره سيدة تهدهد أبنها " بوش " إذن هناك غزو ليس فكريا فقط إنه شامل مع تواطئ المسئولين وغفلة الشعب الذي يجري وراء كل ما هو وافد وهذا أيضاً معادل موضوعي مسكوت عنه لم يشر إليه القاص ثم ينتقل القاص إلى المفارقة بمعناها ومفهومها الصارم فنجد ما يسمى بـ كوميديا الموقف إنها الكوميديا الساخرة .
· في (ابو كوز) الرجل السقاء حامل القربتين سابقا أصبح صاحب كرامة وله ضريح به قبة فصار مقصد الزائرين فهو زمن اللاوعي والانفتاح على الخرافة .
· في (مواصفات خاصة جداً) الرجل الذي اعتقد أبناءه أنه مريض هو نفسه الذي يقنع الطبيب بموضوع الجائزة ويخرجان لاقتسام الجائزة .
· في (ظلال) الأجانب يمرون بسلام أما أبناء الوطن يتم إيقافهم بواسطة أفراد الكمين حتى يصبحوا ظلالاً صامته أما الأجانب فهم فوق الشبهة .
· في ( لحظة تتويج) يعكس صورة البطل الذي واجه شنقه وهو يبصق في وجوه شانقيه ويتمتم بذكر الله و رغم الدم الذي على شاشة التلفاز في صبيحة يوم العيد تظهر المذيعة لتعلن العيد فرحة ... !
· في (وقت الآذان) مهندس المباني الذي يمسك مسبحة وزبيبة الصلاة في وجهه يقوم بالغش وتنفيذ تعليمات المعلم المقاول يتم ذلك في وقت النداء للصلاة وكأن الدين ستار والتدين برواز شكلي للنصب والغش يداريهما وهو أيضاً ما لم يصرح به القاص .
4- مأخذ على المجموعة :
رغم ما سبق من تميز للقاص إلا أنه وقع في عدة إرتباكات داخل المجموعة من وجهة نظري .
(1) صـ 14 السطر الثاني " تشبه حدود وطنك " جاءت كاشفة للمعنى وكان يمكن الاستغناء عنها . لأن الوصف قبلها أوصل المعنى .
(2) صـ 16 كلمة " كانت " في السطر السابع زائدة فيقول كانت عيون الصغيرة عسلية . فالعيون لا تتغير وكانت تفيد الماضي .
(3) صـ 30 السطر الخامس عشر يقول كانت عجوزاً شمطاء أيضاً "كانت " هنا زائدة ؟
(4) صـ 30 أول عشرة سطور كان يمكن تكثيف مشهد السرد .
(5) صـ 75 كلمة " كان " في أخر السطر الثاني زائدة .
(6) صـ 81 أخر سطرين يحتاجان إلى تعديل لإحداث تعديل في الرؤية الفنية .
(7) الحوار في قصة (اللعنة) بين موظف السجل المدني وبين المسئول الأعلى منه جاء باللهجة العامية هل ثقافتهما لا تتيحا لهما التحدث بالفصحى مثل المريض والطبيب في (مواصفات خاصة جداً) ومثل الرجل وزوجته في (بجوار بائع الذرة) ونحن لا نعرف عن مستوى الثقافة أو التعليم لديهما شيئاً رغم ما سبق لقد قدم القاص عبدالناصر العطيفي قصصاً بأسلوبه وشخصه الفني المميز وننتظر منه أعمالاً قادمة أكثر متعة وتميزاً.
تمت في يوم 15/8/2008
رمضان أحمد عبدالله