العطش والتطلع في أولاد الأفاعي
· دراســـة مجموعة " أولاد الأفاعي " للقاص خليل الجيزاوي· ***********************************************************- قاص روائي حيث أصدر ثلاث روايات وله تحت الطبع ثلاثة أخرى وأيضاً أصدر مجموعة قصصية بالإضافة إلى مجموعة أولاد الأفاعي الصادرة عن نادي القصة عام 2004 والتي نحن بصدد القراءة فيها . ولا يقف خليل الجيزاوي عند هذه الحدود الإبداعية فهو أيضاً كاتب صحفي حر وعضو معظم المنتديات الأدبية وأخيراً مدير دار سندباد للنشر . مما سبق ندرك أن للكاتب خبرات ينهل منها إبداعه .
1- الموضوعات :
تتشابك الموضوعات في المجموعة لكنها مرتبطة جميعاً في خيط فني على مدار خمس وعشرين قصة في المجموعة .
1-1 العطش والسقوط :
يمثل العطش نقطة انطلاق للقاص فتأتي أغلب قصص المجموعة حاملة التمني الذي يجسده العطش المؤدي إلى السقوط هذا العطش تدفعه حالة الوحدة فتبدأ سلسلة متوالية من وحدة وعطش وتطلع وسقوط تتحرك في سياق درامي تفاعلي فنجد في "بيت العنكبوت" شاب تنشأ بينه وبين فتاة في البيت المقابل علاقة جنسية آثمة هذا الشاب الذي كان متديناً ويسبغ الوضوء ويصلي الفجر يذهب إلى بيتها بعد صلاة الفجر ثم في الساعة الواحدة ليلاً ليبيتا في أحضان بعضهما وهو الذي يحرّم على أخته أن تحدث أحدا من الشباب. تحمل الفتاة منه في جنين يطلب منها إسقاطه وأن تتعامل مع وسائل منع الحمل . لا يقف السقوط عند الشاب والفتاة بل سقطت أسرة الفتاة إنجي في بئر الإهمال فالأب والأم نائمين لا يدريان شيئاً مما يحدث في الحجرة المقابلة لحجرتهما . في (مدرس البنات) تحاول البنت نجوى الطالبة إيقاع المدرس في شراكها وتواصل إصرارها فتطلب منه درساً خصوصياً بمفردها للإيقاع بالأستاذ جميل تحاول أن تلقي بنفسها في أحضانه إنه التعطش للجنس والألفة في ظل غياب الأسرة مثل نوم أسرة إنجي. لكن الأستاذ ينجو هارباً رغم قسوة الوحدة . في (رغبة ميته) يسافر رجل ويترك زوجته ولا يرسل لها نقوداً رغم وقوفها إلى جانبه.
تضرب شروخ العطش جذورها في أرض الزوجة . تتشقق بفعل الوحدة . فتسلم نفسها لرجل مقابل خمسون جنيه .. وكذلك هنا تسقط الأم مثل الأسرتين السابق سقوطهما . تترك الأم المنزل لابنتها. الزوجة . والشاب بحجة الذهاب عند خالتها حتى تتم لحظات السقوط تعود الأم . ولا فرق بين الأم وبائعة المناديل في هذه القصة فبائعة المناديل عرضت عليهما أن لديها مكان ليفكا عن نفسيهما . في " سكة أباظة " يتطلع المدرس الذي يعاني من وحدة وقسوة القاهرة يتمنى وهو مسافر أن يلقي محبوبته القديمة في (خط الانكسار) صانع سلال يعمل على المزلقان لإيقاف السيارات وقت الخطر . يحاول أن يمنع السيارة من اختراق الممنوع لكنها تعبر يمرق بين القضبان لمنعها لكنه يموت تحت عجلات القطار . هذا الحارس كان يصنع السلال ليلبي مصاريف دروس ابنه وليشتري الابن بنطالا جديداً . في (ومتى يا جرح تندمل ) يتطلع شيخ الكتاب أن يصبح الطالب الجامعي مدرساً يعلم أبناء القرية لكن الطالب يحدث الشيخ عن عالم الأدب والشعر. في النهاية يسقط الطالب ويصبح مدرساً ويترك الشعر والأدب . في (وخز العشق) يستمر الصراع بين الريف والمدينة الطالب القروي تحلم أمه أن تزوجه زينب لكن بنت القاهرة (هناء) تحاول أن تنصب شراكها حوله تأخذ الشقة ليروى ظمأها لكنه ينجو حين يرى وجه أمه وزينب وهما يلبسان السواد ينجو القروي كما نجا الأستاذ جميل في (مدرس البنات) عكس القروي الذي سقط في (بيت العنكبوت) . تتعطل الساقية في (الساقية القديمة) ولا تجد أرض القرية ماءاً ولا يجدون أسطى يصلحها لأن الأسطوات هاجروا إلى المدينة ومنهم من سافر للخارج إنه السقوط بفعل الانفتاح . في (بهو الروح) تعتب صديقته عليه لأنه لم يأت في اللحظة المحددة . يحدثها عن الحب الأزلي لكنها تحدثه عن الزواج كل متعطش للآخر على طريقته . في ( دفتر الذكريات) يتذكر البطل محبوبته ويتمنى أن تزوره حين يرن جرس الباب لكنه يفاجأ بشئ آخر .
1-2 التطلع إلى النصر :
ثاني الموضوعات التي تتواجد في المجموعة هو الطموح إلى النصر . فالنصر هو هدف كبير في حياة الإنسان . هنا النصر يأخذ بعداً وطنياً يجسده القاص في (أولاد الأفاعي) .
حين يرى الجندي حارس الحدود الإسرائيليين يتخطون الحدود ويمارسون الرذيلة كأن مصر ليست إلا مكان للرذائل فيرد برصاص بندقيته ينتصر الرصاص على الرذيلة . يجلس الجد مع حفيده محمد يستمعان إلى نشرة الأخبار في (الضباب) يتضايق الجد حين يعرف بتوافد القوات الأمريكية إلى العراق يعطي الجد حفيده بندقيته للخروج بها وكأنه يقول له إنه هو الأمل القادم والحل أيضاً في السلاح . من المعروف في تاريخ مصر أن لزفتى حضور هام فهي أول مدينة تعلن الاستقلال عن السلطة الانجليزية فيما يعرف بجمهورية (زفتى) يحكي الراوي في (جمهورية زفتى) عن ذكريات طفولته واللعب مع الأصدقاء مستخدما طريقة التذكر والتداعي . يتطلع هذا الراوي إلى رؤية الأصدقاء وإلى النصر في فلسطين وإلى الاستقلال العربي . ماذا يفعل الشخص إذا وجد نفسه تحاكمه السلطات بقطع لسانه والأرجل والأيدي في (طبعا ممكن) يتفجر جسده باللاءات فتقتله السلطات بتهمة سرقة الأحلام فمنعوه أن يحلم وأن يتزوج أربع سيدات وأخيراً يتهموه بأنه خرب الاقتصاد هنا تثور جموع الناس ويهتفون فتسقط الحواجز إن المجموع هنا ينتصر ويفرض إرادته على السلطات . الجسر هو الشريان الرئيسي في الكفر والقرية وكان حائط الصد وقت الفيضان . يفتح الغجر الهويس انتقاماً تصل الأخبار للشيخ الجالس يحكي للأطفال حكايات تأتي الأخبار برصف الجسر يأتي البلدوزر يهدم أول بيت المرسوم عليه نقوش دينية يشير الشيخ للبلدوزر فيتوقف عن الهدم ينتصر الرمز والنقوش الدينية على التكنولوجيا المدمرة .
تدور قصة (الجراح – الجراح) بين هزيمة 67 ونصر 73 فالعم عليل الساق منعزلاً يفكر في هزيمته – يأتي الولد يقرأ عليه موضوع الإنشاء الذي كتبه وقرأه في حصة اللغة العربية يعجب بعبارات الولد وقوة حماسه . يخرج العم من عزلته وتقوم الحرب في اليوم التالي وتغلق المدارس . في (عاصفة الذكريات) يستشهد الضابط ويصبح ولده ضابطاً لكنهم يأخذوه إلى العراق مع القوات الذاهبة هناك بدلاً من كفاح النصر ضد الأعداء ذهبوا لقتل إخوة في دولة عربية بذلك يشير الكاتب إلى حرب العراق – الكويت عام 91 يعود الضابط الابن بدون أطراف . يذهب إلى لندن لتركيب أطراف صناعية فيوصي أبنه أن يكمل المسيرة . هنا يفضح الكاتب بعض الممارسات فالإنسان يفقد أطرافه في حرب مع الأخوة ويركب أطراف صناعية بالخارج .
2- التقنيـــــة :
2-1 الســــرد :
يستخدم القاص السرد بكل مستوياته الفنية موظفاً لغة الوصف المتميزة نظراً لممارساته المتعددة للغة ما بين الصحافة والتدريس والرواية والقصة القصيرة فتتواجد أشكال السرد بتنوعاته الفنية كما يلي .
أ – سرد مباشر يتجاور فيه الحكى مع الوصف في قصص (طبعاً ممكن – بيت العنكبوت – رغبة ميتة – أولاد الأفاعي – غرباء –
سماح – الخيط الرفيع – ابن الريح) .
ب- سرد بلغة الأنا الفاعلة في قصص ( مدرس البنات – بهو البوح
– فيضان الضلوع – زهراء النيل) تصور لنا الأنا المعاناة من الوحدة والشوق وحالة الوجد .
ج- سرد مشترك بين الأنا والراوي في قصة (سماح) .
د – سرد مشترك بين الحفيد والجد ومذيع الراديو ومذيع ومذيعة التلفزيون في قصة (الضباب) .
هـ- التداعي والتذكر على طريقة استدعاء وتذكر الماضي أو ما يسمى بتيار الوعي أو تيار الشعور في قصص (عاصفة الذكريات – الساقية القديمة – سكة أباظة).
2-2 الحـــــوار :
يأتي الحوار قليلاً نظراً لاعتماده على السرد . لكن الحوار على قلته يأتي فاعلاً ومتنوعاً إلى ثلاثة مستويات .
أ – حوار بالعامية في قصتي (بيت العنكبوت – زهراء النيل) .
ب- حوار مختلط بين العامية والفصحى دون أن يحدث خلل نظراً لتعدد الشخوص وتنوع مستويات الثقافة في قصة (الجراح الجراح).
ج- حوار مكمل للسرد ومتداخل معه دون تنافر في قصتي (مدرس البنات – الضباب) .
د – حوار باللغة الفصحى الخالصة فقط في قصة (ومتى يا جرح تندمل).
3- اللغة والتشخيص :
3-1 اللغـــة :
اللغة هي الوسيلة التي من خلالها يعبأ القاص وعاءه لتتدفق العبارات والجمل . ويمتلك القاص ناصية اللغة ولديه مقدره فائقة على التشكيل لإنتاج عبارات وصفية رائعة فالجمل السردية عنده والوصفية لهما حضور طاغ . إذن اللغة تأتي متدفقة وتصف المشهد بدقة في مجمل القصص . أيضاً تُبرز اللغة المعنى النفسي والوجداني في القصص ذات النزعة الوجدانية مثل قصص (سماح – غرباء – الخيط الرفيع – فيضان الضلوع) كذلك في القصص التي تجسد العطش جاءت اللغة تعبر عن كل المواقف النفسية يقول في قصة غرباء صـ 122 .
ضرب البارود الولد بكت شواش الشجر . وانتحبت البيوت التي تلبس الحداد . اسود ريش الحمام الأبيض تجمعت أسراب الغربان السود . طارت جهة الشمال . صرخت البنات لطمت العواجز
الخدود . شقت الجيوب .
3-2 التشخيص : في القصص القصيرة تتعدد الشخصيات لأن كل قصة لها شخوصها مما يثقل المهمة على الناقد . استطاع القاص التعبير عن أبعاد كل شخصية لأنه عايش هذه الأشخاص لذلك أجاد في إعطاء نقاط ضعف وقوة كل شخص . من الشخوص التي أجاد رسم ملامحها والإمساك بأبعادها شخصية عم محمد في (خط الانكسار) فعبر عن كفاحه ومعاناته لتوفير متطلبات الابن ومحاولته لإيقاف السيارة المسرعة عند المزلقان . كما أنه من الملفت للنظر وجود توازي بين كثير من شخوص المجموعة .
شخصية إنجي (بيت العنكبوت) توازي المرأة المسافر زوجها (رغبة ميتة) فكلاهما تسلم نفسها للمتعة مع رجل ويتوازى معها حسام (بيت العنكبوت) والرجل (رغبة ميتة) فرغبة الجسد جمعت ووحدت بين الأربعة . أيضاً نجوى (مدرس البنات) وهناء (وخذ العشق) كلاهما تحاول افتراس الرجل وتود تسليم نفسها إليه أيضاً كلاهما ترفضان الزواج . بائعة المناديل والأم في (رغبة ميتة) يتساويان واحده تعرض المكان والثانية أيضاً تترك المكان ليخلو للزوجة المسافر زوجها والرجل الذي معها . أما شخصية الراوي تتوازى في ثلاث قصص (سكة أباظة – جمهورية زفتى – متى يا جرح تندمل ) فهو يتذكر محبوبته في القصة الأولى ويتذكر الأصدقاء في الثانية . ويتذكر قريته في الثالثة .
الأستاذ جميل (مدرس البنات) يوازي خالد (وخذ العشق) كلاهما ينجو من شرك الايقاع به جميل يفر من نجوى وخالد يفر من هناء. الجد الباحث عن النصر (الضباب) يوازي العم عليل الساق (الجراح ... الجراح) الجد يسمع الأخبار من الراديو والتلفاز والعم يسمع موضوع الإنشاء الذي كتبه الولد . الجد يعطي البندقية للحفيد والعم يخرج للناس بعد العزلة والانكسار لقد نجح القاص في عمل وتشكيل هذه التوازيات بين الشخصيات .
4 – بين الضدين :
الضدين هنا أعني بهما الريف والمدينة حيث تشهد المجموعة حضوراً هاماً لهذين الضدين لأن الكاتب يسرد عن موضوعات حياتيه محلية بين الريف والمدينة .
تأتي القرية هنا بمفهوم المنافس والمتنازع مع المدينة . فالمدينة هنا من الريف دون تعصب من الكاتب نرى هذا الحضور كالآتي
1- حضور الطالب الريفي الذي يدرس بالجامعة في (بيت العنكبوت) تصارعه الفتاة إنجي بنت المدينة تهزمه ويسقط معها في الرذيلة بينما في وخذ العشق ينجو الريفي وتنهزم نجوى رمز المدينة في (ومتى يا جرح تندمل) ينجو الطالب الريفي ويعود يدرس لأولاد القرية وينجو من الشعر والأدب وينتصر حبه للريف . في (بهو البوح) يفر الريفي من صديقته القاهرية هي تريد أن تتزوجه بينما هو يريد الحب الأزلى .. في (الساقية القديمة) تنتصر المدينة على القرية حين يهاجر الأسطوات إلى المدينة والخارج بينما تظل الساقية بلا من يصلحها ليظل عطش أراضي القرية بلا نهاية وبلا حل .
4- مأخذ على المجموعة :
سقطت بعض القصص في ثرثرة الوصف والسرد بدون قيمة فنية مثل قصص (جمهورية زفتى – فيضان الضلوع – عاصفة الذكريات) ومع ذلك نجح الكاتب في إظهار رحالة النهم وظهرت مقدرته اللغوية والإمساك بلحظات السرد وأظهر ملامح كل شخصية .
تمت بحمد الله
القاهرة في يوم 21/9/2009 رمضان أحمد عبدالله