دراســـة نقدية في رواية الفردوس لنبيل عبد الحميد

غزو المجهول في الفردوس

· دراســـة في رواية الفردوس لنبيل عبد الحميد
· __________________________________________________

- الكتابة عبر الخبرة والممارسة العديدة تخلق تقنيات أو تقنية ربما تكون مغايرة للمألوف . والكاتب الذي يسبح عكس المألوف ربما يدخل مناطق مجهولة ويأخذ معه القارئ بالطبع إلى هذه المناطق ويتوغلان في غابات اللامألوف مما يتطلب قارئاً مدرباً ومثقفاً ومثابراً للكشف عن العوالم المجهولة والتي ربما تكون محفوفة بالمخاطرة الفنية . هذا ما نجده في رواية " الفردوس " للقاص الروائي نبيل عبدالحميد الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية عام 1984 . هذا كاتب عميق الخبرات فله ست مجموعات قصصية وأربع روايات بالإضافة إلى كتب ومقالات نقدية عديدة منشورة في أماكن مختلفة .

[1] مدخل تعريفي: مرت الراوية بعديد من المتغيرات عبر عصورها منذ الظهور و الاستقلال بذاتيتها حتى أصبح لها شخصيه فيه بعيدة عن المقامات أو الملاحم والسير والتاريخ و الحكايات التي أخذت أنماطاً مختلفة . استقلت الراوية بعد عده تأثيرات خارجية و داخلية عبر الأحداث التاريخية و التأثير بالرواية الغربية ، بعد كل هذا صار للرواية لدينا ثلاث حلقات الأولي هي الراوية التقليدية وهو تصميم بعيد إنتاج الوعي السائد تتمثل وظيفتها في التعليم و الوعظ و الإرشاد و لقد ساده و سيطرت هذه الحلقة طويلاً في الوطن العربي ولقد أسهمت الرواية التقليدية في تخليص اللغة من السجع و البلاغة الشكلية و أصبحت قادرة علي التحليل والوصف فتأسس جمهور من قراء الرواية تلبي له الرواية حاجات ضرورية . فهي صارت وسيله لنقل الأفكار و العظات وهنا وجد حرص شديد علي التوثيق و التسجيل باسم الواقعية أو باسم الإيهام , و الوقائع تأخذ مساحه اكبر من الشخصيات كما كانت الأحداث تترابط مره بالمصادفات وأخرى بالقضاء و القدر وثالثة بتدخلات السارد العليم الذي كان يتدخل و يفسر و يعلق و تتحدث الشخصيات بلغة الكاتب و تنقل آراءه و أفكاره . مع التطور و التمرد و محاوله التجديد دخلت الحلقة الثانية أو ما يسمي بالرواية الحديثة التي ظهرت تلبية لحاجات جماليه اجتماعيه بدون إغفال أثر التراث من ناحية و المؤثرات الأجنبية من ناحية أخري . فأصبحت الرواية تعبر عن وعي فني متطور وتجسد فعلا مفاهيم أدبيه . إذن الرواية الحديثة صارت بنية أدبيه مميزه تتخلق نتيجة تفاعلات ذاتية مثل طبيعة العناصر الروائية و تفاعلاتها مع التفاعلات الموضوعية مثل علاقتها بالواقع و التراث المحلي و العالمي وعلاقتها بالجمهور . هذه الرؤية تعكس الإحساس بالقدرة علي فهم الظواهر و الرابط بينهما و تصوير علاقاتها الداخلية و تعتمد علي البداية و الذروة و النهاية في بناءها الهندسي و تركز علي التفاعل بين الحدث و الشخصية الذي يؤدي إلي نمو الأحداث و تطور الشخصية حيث يختفي الكاتب و كثيرا يستخدم ضمير المتكلم بدلا من ضمير الغائب في السرد أو نلمح تعدد الرواة و تنوع الضمائر الساردة لا شك أن ظهور الرواية الحديثة يستند إلي مرتكزات أدبيه وثقافيه و اجتماعيه وسياسيه مثل تراكم الخبرات الفنية و الأدبية وتطور الوعي الجمالي و التواصل مع تجارب الروائيين الأجانب (راجع أنماط الرواية العربية الجديدة د. شكري عزيز ماضي عالم المعرفة عدد 355 / 2008 الكويت) كذلك انتشار التعليم وزيادة عدد السكان و انتشار دور النشر و الصحافة و المكتبات كما يمكن أن نقف عند المد الفكري و النهوض الثقافي و القومي و السياسي في الخمسينات و الستينات و نضح الحركات الوطنية ونجاح حركات التحرر في العالم . يعتبر عام 1967 هو الحد الفاصل في حياة الرواية العربية كما يري د/ شكري عزيز ماضي في كتابه سالف الذكر " و الباحث في الرواية يري أن هزيمة 1967 هي بمنزله الحد الفاصل فمع الهزيمة سقطت قيم كثيرة و قد جاءت الهزيمة تعبيراً حاداً و صارخاً عن تفسخ الايديولوجيا السادة آنذاك و عن هزيمة ألابنيه الحزبية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية والعسكرية " هذه العوامل أدت إلي التمرد علي الجماليات وإبداع شكل روائي جديد . ظهرت الحلقة الثالثة من الرواية مع تشظي الأبنية الاجتماعية وفقدان الإنسان و حدته مع ذاته كان لابد من الاستناد إلي جماليات التفكك بدلاً من الوحدة و التناغم ولجأ الكاتب إلي تحطيم الإيهام بالواقعية فعمد الكاتب إلي انحرافات سردية متكررة متعمدة . والانتقال من حدث إلى آخر ومن مكان لأخر ومن شخصية إلى ثانية وكسر التسلسل الزمني و تداخل الأزمنة و أحياناً تختفي وأيضا المكان ، و الموضوع لا يتصف بالوحدة أو التناغم و الشخصيات مجرد أطياف أو أسماء أو حروف كما يستخدم الروائي مستويات لغوية متعددة و ربما يتمرد على اللغة المألوفة و قواعدها سميت هذه الحلقة بالرواية الجديدة وبعض النقاد أسماها راوية اللارواية أو الرواية التجريبية او الطليعية أو الشيئية . رواية السرابيل واحدة من هذه الروايات الجديدة أو متعددة الأسماء و الألقاب . تنطبق مفاهيم الرواية الجديدة علي رواية الفردوس كما يلي :

1 – الانحرافات السردية المتكررة و المتعددة فينتقل الكاتب من حدث إلي أخر و أيضا من شخصية إلي أخري أو من شخصين معا إلي شخصين آخرين واختفاء الحدث الهام الكبير و تلاش الزمن الروائي .

2 – عدم التسلسل الزمني وربما يختفي فلم يذكر الكاتب أي إشارة زمنيه سوى ما يفهمه القارئ من سير الأحداث و أحياناً يتداخل زمن السرد الآني مع الماضي .

3 – الشخصيات مجرد إشارات و أطياف إلي مواقف و يمكن استبدالها بأسماء أو رموز فيذكر الفتي النحيف الفتي الجميل الفتاه السمراء والفتاه البدينة والمرأة الطويلة المرأة العجوز وهكذا يمكن حذف أشخاص أو استبدالهم .

4 – تعدد مستويات اللغة لأنه اعتمد علي لغة الحوار بديلة عن السرد و بتعدد الأشخاص تعددت اللغة و بذلك تنكسر و تيرة السرد التقليدية و أصبحت سرداً من وجهة النظر أو التبئير أو التحفيز .

[2]غزو المجهول أم أفاق التجريب:

يسير بعض الكتاب في دروب التجديد أو التجريب و بذلك يأخذ القارئ إلي شئ ربما يكون غير معروف للقارئ من قبل فربما يأخذه إلي مجهول و بذلك يغزو القارئ هذا المجهول أثناء القراءة للتعرف علي العوالم و الحدود الفنية للكاتب . لكن الكاتب لا يطأ المجهول فالعالم الفني و التقني لديه محددان ومعروفان فمن غير المعقول أن يرتاد أي كاتب مناطق لا يعرفها . بذلك نتفق أن هذه الرواية تنتمي إلي ما يسمي بالرواية الجديدة علي تعدد المسميات لها أو الرواية المضادة كما أطلقوا عليها في فرنسا فكل رواية تطمح إلي ابتكار بناء خاص بها علي مستوي الظاهرة كلها وعلي مستوي الكاتب في كثير من الحالات و ما يجمعهما هو الرغبة في الابتعاد راجع (في نقد الكتابة الراهنة كتاب الثقافة الجديدة أغسطس 2005 . مقال سمير درويش صــــ52 و ما بعدها ) أن الكاتب الذي يقدم رواية تجريبية يراهن علي وعي القارئ أو القُراء عموما علي اختلاف مستويات الثقافة . الايدولوجيات نجد عناصر التجريب التي تنسب هذه الرواية إلي تيار أو نمط الرواية الجديدة أو المضادة أو الطليعية أو اللارواية أو رواية الحساسية الجديدة أو الرواية الشيئية تنحصر هذه العناصر فيما يلي :

1 – المفارقة عبر الشخصية شبه الرئيسية فالشخصية هنا الأب العظيم الذي يأخذ من حوله في سياحة روحيه دينه للخلاص من آثام الجسد و السعي إلي صفاء الروح رغم انه يتمم كثيرا بآيات عن الإنجيل و الصلاة و التضرع نكتشف انه يخدع الجموع حوله أو ما يمكن أن نسميه الشعب المخدوع و نكتشف انه قاتل شخص حامل أثقال الذي كان صديقا لزوجته و رآهما الأب العظيم في مشهد خيانة . كما نجد هذا الأب القاتل يحمل في جسده مضغة من جسد المذنب وكذلك يمارس الأب هواية القتل إرضاء لنزواته كي يداري جريمته الأولي يواصل قتل الجميع و كان من عدالة السماء أن يموت هو أيضا بنفس الشراب المسموم الذي أعطاه لشعبه . كما أن من مفارقات هذا الواعظ الروحي العظيم سقوطه في الرزيلة مع الفتاه السمراء التي يشويها بالكرباج ثم يخلع ملابسه و يتصافى معها جسدياً كما حاول نفس السقوط مع المرأة العجوز التي خدعها بكلامه عن جمالها ورقتها كي تنسى جريمته وحاول أن يخدعها وأبنها بالمال . أما المفارقة الغريبة تأتي من باقي الشخوص المستسلمين لأوامره و الغير قادرين على الخروج من بوتقة السيطرة لقد حاصرهم نفسيا وأسلبهم فعل الإرادة الفردية والجماعية و سقط الجميع جراء هذه السلبية الجماعية .

2 – سلبيه كل الشخوص تجاه الفرد الواحد لمجرد انه يستخدم خطاباً دينياً يعلمون في النهاية انه مراوغ فالجميع ارتضوا إرادياً أن يسلموا أنفسهم لتصرفاته هو و تأويلاته وخداعه باسم ما هو مقدس حتى في اللحظات الأخيرة كانت فرصة خلاصهم سانحة لكنهم رفضوا الخروج إلا بعد الاستماع إليه . رغم الإعياء و الملل والكدر الذي أصابهم جميعا .

3 – غياب الحدث الكبير فلا يوجد حدث واحد محوري لكنها سلسلة أحداث تتابع و يمكن إحداث الخلخلة فيما بينها وحذف جزء أو نقله علي مستوي التتابع البنائي للرواية حتى الحدث الهام و هو قتل الأب العظيم لعشيق زوجته وهو صديقه في نفس الوقت يأتي مؤخرا في جزء متأخر من الرواية عن طريق تذكر الأب العظيم وليس من السرد كما يأتي من خلال العجوز وهنا تتجلى أصوات السرد عبر الحوارات وليس بواسطة السارد العليم مما يطرح الأنماط السردية وهي الرؤية مع الشخصية أو الرؤية من الوراء أو الرؤية من الخارج أو تجاور أكثر من نمط من هذه الأنماط الثلاثة (نقد الكتابة الراهنة . سمير درويش - وجهة النظر في روايات الأصوات العربية في مصر د.محمد نجيب التلاوي . قصور الثقافة كتابات نقدية 2010 ) .

4 - تشظي فكره الزمن فالزمن غير واضح لأنه مبهم ولم يحدده الكاتب مباشرة لكنه أعتمد علي استنتاج القارئ نعم يوجد زمن القص وهو الحاضر الذي يقدم و يعرض الأحداث أما الماضي الروائي وليس التاريخي ندركه فيما يتذكره الأب العظيم عن الابن و الزوجة و صديقها وما تسترجعه وتعيده على أسماعه المرأة العجوز التي كانت صديقة لزوجته ثم المستقبل الذي يظهر في الطفل الذي نجاه من قسوة و جبروت الأب العظيم . الزمن جاء من فعل القارئ و ليس من فعل الراوي العليم . فالقارئ يتوقف من خلال تحليل وإسترجاعات الأب العظيم و المرأة العجوز ( راجع سيزا قاسم بناء الرواية الهيئة العامة للكتاب 2004 مكتبه الأسرة .

5 – يتلاش المكان الرائي مثل الزمن الذي يكاد يوجد عبر مخايلة القارئ . فلا توجد أماكن ينتقل خلالها و عبرها الحدث الروائي الواحد و لا نري أماكن سوي ما يذكر بين الأب العظيم و المرأة العجوز و لا ترد إلا كلمات مثل (مزرعة - خيمة - مزرعة استأجرها الأب العظيم من المرأة العجوز وخيمة يقيم فيها الأب ) وحتى داخل هذا المكان الذي لم نعرف حيزه كبيراً أم ضيقاً لأن معالم المكان أيضا تتلاش فلا يذكر سوي شجرة أو أشجار وعصافير وكفن. هذه هي ملامح المكان . مكان محدد تتلاش معالمه . عالم المكان يعبر عن الانغلاق الذي يشير إلى العجز وعدم القدرة على مع العالم الخارجي فالمكان حابس لكل الشخوص . كما لا يستغرق الكاتب في وصف المكان كثيرا لأن أسلوب تقديم الأشياء هو الوصف والوصف يرتبط بالمكان بينما السرد يرتبط بالزمان راجع بناء الرواية سيزا قاسم .

[3] غزو الأحداث: مع لا تقليدية الأحداث و لا تقليدية البناء يجد القارئ نفسه مطالبا بالتمهل في الدخول إلي الأحداث في الرواية وربما يكون ذلك شاق علي القارئ الغير مثابر . الأحداث لا توجد في فصول لكنها في أجزاء كما يلي :

1 – جثث ملقاة داخل الخيمة و طفل في البرميل ينادي أبويه بجوار البراميل كلب ينبح ينظر الطفل و الكلب كل في عين الآخر.

2 – حوار بين الأب العظيم و فتي جميل بيده جيتار . يطلب الأب منه أن يحرر نفسه و يهيم في نور الرب و يعزف للشجر و الطير . تظهر فتاة جميلة تحررت من سطوة الجسد و انطلقت صوب الروح كما يقول الأب العظيم . تسرع و خلفها الأب لتريه لوحة رسمتها .

3 – يطلب الأب العظيم من الموجودين حوله أن يستعدوا للرحيل و يعظهم عن إرادة الرب و صفاء النفوس و يحذرهم أن ثمة من يتربص بهم ليجلدونهم ثم يقدم لها شرابا . تتحدث امرأة خفيفة عن بركات الأب فهو الذي شفاها و ما عادت مريضه .

4 – رجل و امرأة فوق العشب . تروي المرأة عن شوقها للعودة إلي زوجها و ابنها . يطلب الأب منها أن تتحمل لان طريق العودة اشقى من إكمال المسيرة ثم يعطيها شرابا ، تبكي بين يديه . نسمع صوتا يناجي الحارس أن يقتلهم جميعا و لا يدع أحداً يهرب (ندرك فيما بعد أن اتفاقاً بين الأب العظيم و الحارس مقابل المال ليمنع الناس من الخروج أو العودة و يستخدم بندقية طبقا لأوامر الأب العظيم ) .

5 – حوارين بين الفتي الجميل و الفتاه الجميلة عن الحب بينهما و تبادل الأحضان والقبلات و غوصهما تحت الماء و التعانق . يحكي الفتي عن رغبته في العودة . يقص الأب العظيم عن فنان عزف للشجرة فانشقت الشجرة و جذبته إلي جذعها .

6 – يرتعد الشاب النحيف برداً وتوتراً . تطلب منه فتاه بدينة أن تدخل حطنها فهذا الحضن دفأ المكثرين . تخلع ملابسها فتنحني للخلف لكنها لا تجد ما تتطلع إليه . تقص لها الشاب أن الأب قتل زوجته التي خانته مع صديقه وقتل صديقه بالرصاص وغاب بن الأب العظيم بين الجراد ثم يسرع إلي الأب يطلب منه الرحمة فاللهب يطارده في كل مكان .

7 – الحارس بن السيدة العجوز يريد نقود الأم ترفض ثم يذهب إلي الأب العظيم يطالبه بأجر الحراسة طبقا لما هو متفق عليه بينهما . يعده الأب بأنه سيعطيه مالا كثيرا . يطلق الطفل سراح الجرادة من فخ الجراد الذي نصبه الأب لها . يغضب الأب ثم يخاطب الطفل هل يحب أن يطير ( في ذلك تصريح الأب بقتل الطفل بطريق غير مباشر من التصريح ) وفعلا يجدون الطفل ميتا بعد ذلك .

8 – الفتاه السمراء تذهب إلي الأب طالبة منه أن يضربها بالسوط يرفض . تخلع ملابسها و تحضر السوط . يتصاعد الضرب علي جسدها تدريجيا كلما تذكر الأب خيانة زوجته مع صديقها . في النهاية يتعانقان و يلتحم الجسدان عريانين في تداخل و هدوء .

9 – الأم المرأة الطويلة و زوجها الرجل الطويل يرويان شجرة حياة ابنهما الرابع بعد موت ثلاثة قبله . تنهرهما العجوز أن يغادر المكان . يجد الجميع طفلا ميتا تحاول العجوز منع دفنه في أرضها. تتشاجر مع ابنها الحارس على البندقية . يصلي الأب ومعه الحاضرون استعداداً لدفن الطفل .

10 – الفتي الجميل منسجم مع الشجرة مهملا الفتاه الجميلة . يحاول الشاب النحيف و الفتاه الشقراء مغادره المكان . يتجادل الابن و أمه العجوز عن و جود الشرطة التي تريد الأم إخبارهم يهدد الابن أنها امتلأت و هو يريد الامتلاء بالمال و الشرطة لن تقدر علي المجئ مادام هو موجود . يخبر الحارس الفتاه الجميلة أن الشجرة تمتص نخاغ من يلتصق بها . تهدد الفتاه بأنها سوف تحضر فأسا لاقتلاع هذه الشجرة .

11 – يحاول الحارس قتل الكلب يصرخ الطفل . يطلب الحارس ألا يذهب احد إلي الربوة . تذهب العجوز للأب العظيم تطلب أرضها يحاول خدعها بجمالها تروي باكية أن صديقتها الزوجة اعترفت بأن الزوج سوف يقتلها لأنه رآها مع صديقه كما تخبره أن القاتل يحمل في جوفه مضغة من جسد القتيل . بعد خروجها يضع الأب العظيم يده علي بطنه كي يخرج من جوفه هذه المضغة .

12 – يفيق الجميع من كابوس خدعه الأب العظيم . يحاول الحارس العارف النجاة من الخدعة يهجم الأب عليه يخبرهم الفتى الجميل انه يقدر أن يعزف و يسمعهم ألحانه ثم يضرب الشجرة لأنها خدعته يحرق الأب العظيم الأوراق و الأشياء ثم يذهب إلي العجوز يقتلها ليدفن السر معها ويتوجه إلي الحشد حوله يعطيهم شراباً مسموماً يموتون جميعاً . يخرج الطفل باحثاً عن الكلب يعود الحارس يكتشف قتل أمه يفرغ الشراب في فم الأب و يذهب للبحث عن المال يصوب الأب عليه البندقية و يقتله ليموتوا الجميع عدا الطفل الذي داخل البرميل . و يصرخ ينادي أباه وأمه . لنعود إلي نقطه البداية التي بدأت بهذا المشهد .

[4]غزو المطروح: تطرح الرواية طرحين بارزين فيما يستخلصه القارئ منها يجد القارئ القهر عبر الاستغلال الذي يمارسه الأب العظيم ضد الجميع مستغلا سلطه الدينية الغير رسميه و انه رجل روحاني بيده مفاتيح الأمور كما يستغل تسليم الأشخاص له ولسطلته كذلك يستغل الصلاة و الحديث الروحاني الذي يقترب من الصوفي ليخدع ويقهر الآخرين بهذه الهيئة الروحية ثم ندرك انه قاتل زوجته و كان ينوي قتل صديقه كما يقتل الطفل و العجوز. و يقتل الجميع . لقد استخدم المراوغة في سلب الأفراد حرية تقرير مصيرهم و استأجر حارس بالمال لمنع خروج أي احد و كان الحارس عنده أمر بقتل من يحاول الخروج . القهر و الاستغلال أديا إلي سقوط الأب العظيم في المحظور بل سقط في كل المحاذير من قتل وخيانة و مراوغه و قهر فهو لا يقل سقوطا عن زوجته الخائنة و صديقه الخائن الذي يحيا داخله من خلال تلك المضغة التي تتحرك داخله فمن خائن إلي خائن تتحرك المضغة كذلك سقط كل الشخوص في تصديق الأب العظيم هذه الخرافة و تلك الهالة المصطنعة عبر حارس بأجر و سيده تعلم و تخفي السر مقابل المال فالجميع لديهم إرادة واحده هي الرغبة في الرحيل لكنهم يرفضون حتي أخر لحظه كان يمكن لهم النجاة فضلوا انتظار كلمته الأخيرة في سلبية عدم استخدام العقل و خضوع كامل لسلطة خرافية أودت بهم جميعا و كأنه انتحار إرادي عبر سقوط الإرادة و قهر الطامح إلي السلطة . من القهر والاستغلال وسلبية العقل الجمعي إلى الحنين المقتول . كل الشخوص لديهم حنين العودة و حنين الخروج إلي علم أوسع حيث يعيشون كباقي الناس لكنهم يضيعون الفرص فالفتاه الجميلة و الفتي الجميل يرغبان في العودة و ترغب الفتاه في اقتلاع هذه الشجرة الملعونة التي تسلب الحياة . كما يرغب النحيف في العودة و ترغب الشقراء إلي العودة أيضا إلي زوجها و ابنها وتحن العجوز إلي عودة مزرعتها إليها بعدما أجرها الأب العظيم و يحن الحارس إلي أخذ المال وإلى أمه التي قتلها الأب . حتي الأب العظيم رغم قسوته و جبروته و خداعه والمراوغة يقتله حنين جارف إلي ابنه الذي اختفي و يقال أن الجراد هو السبب أن دافع القتل الجماعي الانتقامي الذي ارتكبته الأب العظيم دافع أخذ بالثار و حنينا إلي ابنه لكن هذا الحنين الجماعي للخروج قتل تحت سنابك الخضوع لسلطة واهية.

[5] الغزو التقني:

5–1 ( الحبكة و البناء ) تعتمد الرواية علي نظام التتابع و لا توجد فواصل من أي نوع مما يوحي أن الفضاءات الظاهرة و الإشارات العلامية أو السيمولوجيا تختفي اعتماداً علي آلية التأويل و التتابع . فلا توجد فصول لكل جزء لكن الكاتب استخدم لكل جزء رقم فجاءت الرواية مكونة من اثني عشر جزءاً ثم يختفي هذا السارد ويدخل الحوار بين الأشخاص أو الحوارات بين الشخوص لتتم عملية السرد من خلال التحاور وهو ينتمي إلى نوع السرد مع الشخصية فكل شخص يروي عبر الحوار مع شخص آخر لتظهر هنا الرؤية مع وهذه انحرافة سردية ضمن انحرافات السرد في الرواية الجديدة . كما يرد التراث الديني في صفحات 23 / 24 نجد آيات من انجيل متى وفي صـ 28 / 29 انجيل لوقا وأيضاً من رومية في صـ38 وصـ 98 نجد من المزمور صـ91 . كما يثبت الكاتب حواراً على لسان الأب العظيم في صـ 16 من رواية جبران خليل جبران (يسوع بن الإنسان) كما يستخدم بعداً خرافيا حين نراه يستخدم الصفاء الروحي المزعوم على لسان الأب العظيم إلى جوار فكرة الشجرة الملعونة التي تمتص نخاع من يلتصق بها كما يروي الحارس . بالإضافة إلى خرافة شجرة الحياة التي يرويها الأب الطويل مع الأم الطويلة كي يعيش أبنهما الرابع بعد موت ثلاثة أبناء قبله . كما يتجاور إلى ذلك سر الربوة التي يهدد الحارس من يقترب منها . تدخل في هذه المشاهد الخرافية الشموع المباركة التي تُصوب بين الساقين لتحرق الرغبة وتسمو بروح الإنسان وهي فكرة مأخوذة من الصوفية لقهر شهوات الجسد يمارس مع الشخص النحيف هذا مجموعة أشخاص حتى يفقد شهوته ثم يخبره الأب أنه سيعطيه شمعة كبيرة مباركة . لقد استغل هذه الخرافات وأدخلها في عقول الأشخاص وأصبحت خروقات لا يأتيها أحد إلا سواه . لم يقدم الكاتب الأحداث مباشرة لكنه ترك الاستنتاج والترتيب والتركيب للقارئ . فالرواية تبدأ من النهاية وتنتهي بنفس لقطات البداية فمشهد الموتى داخل الخيمة والطفل في البرميل بجوار الكلب ينادي أباه وأمه أنه جائع ويريد اللعب يتكرر في أول الرواية الجز (1) وآخر الرواية جزء (12) يقول في صـ 93 – 94 يصور مشهد الرجل والمرأة الطويلين وهما يرويان شجرة حياة أبنهما . " خلع قميصه وألقاه ، البثور البنية ، تملأ جلد صدره النحيف .. وخلعت المرأة قميصها ، بدا صدرها ضامراً مترهلاً ، مخضبا مما يشبه النمش البرتقالي .. ضم كفيه أمام وجهه وأغمض عينيه وهو يلهج بهمس خافت .. وضمت المرأة الطويلة كفيها أمام وجهها وظلت تهمس بصوت مبحوح .. جذع الشجرة بينهما ، سميك تبرز من قشرته الداكنة رءوس أشواك حادة مدببة .. شهق الرجل الطويل ومد ذراعيه ..

- الرب يرعانا .

ومدت المرأة الطويلة ذراعيها ، وتساقطت الدموع من عينيها ..

- الرب يرعانا ويرعى الولد .

اقتربا من الجذع .. الملامح شاحبة ، والشفاة تلهج ، وصوت الأنفاس يتردد خافتاً .. أحاطت ذراعاه بنصف الجذع ، وأحاطت ذراعاها بالنصف الآخر .. تلامست الأصابع وتشابكت ، واقترب الصدران من رءوس الأشواك ..

5-2 التشخيص : للأشخاص داخل الرواية أهمية فهم غالباً الساردون عبر الحوارات وهم الفاعلون في الأحداث وسواء سلبا أو إيجاباً . تحظى الشخوص بالتنوع فعلى صعيد العدد يوجد ثمانية عشر شخصية أما على المستوى النوعي نجد تسع نساء وسبع رجال وطفلين . نجحت الرواية في تجسيد ملامح هذه الشخوص فأبرزت الجوانب المتشابهة بين كل اثنين كما جسدت شخصيات على حدة كما نجد فيما يلي .

الأب العظيم : الإحساس : كراهية الناس أجمعين / السبب : خيانة الزوجة وصديقه / الفعل : السيطرة على الآخرين وقتلهم / التدابير : التدين الظاهري وسلطة روحية / الوسيلة : التحالف مع الحارس مقابل المال وإغداق المال على العجوز العارفة بالسر / السلوك : ساقط جنسياً وخلقياً قاتل للطفل ومعذب متلذذ بتعذيب الآخرين عندما يجلد الفتاة السمراء ثم يسقط متوحداً مع جسدها العاري وهو عار .

المرأة العجوز : معرفة بتاريخ الأب العظيم المخادع وجرائمه / التحالف : مع الأب من أجل المال تحت خدعة إيجار المزرعة / تأنيب الضمير الظاهر : بأن تهجم الشرطة . تطلب من أبوي الطفل أن يأخذاه ويرحلا / الوسيلة : تسخر من الأب وتهدده وتطلب إعادة المزرعة / مع الابن : ترفض إعطاءه المال وتسخر من تحالفه مع الأب العظيم / فعل الأب العظيم معها : يقتلها بعد فشل خداعه عن جمالها .

الحارس بين المرأة العجوز : المعرفة : بكل جرائم الأب العظيم / الصفة : جشع بحب المال أسوة بأمه / الوسيلة : التحالف مع الأب من أجل المال / التدابير : حمله السلاح ومنعه أحد أن يخرج من المزرعة / تأنيب ضميره : اعتراضه على الأمر بقتل كل من يجد لأن فيهم نساء وأطفال ثم يطلق طلقتين في الهواء الخطة التنوير : عندما يرى أمه مقتولة / الفعل : قتل الأب بالسم / الجزاء : قتله الأب بالبندقية نفس وسيلة الحماية .

المرأة الخفيفة : الحالة : كانت مريضة / الإعلان : أن الأب شفاها / الاعتقاد : أن الأب العظيم يقدر أن يفعل كل شيء / الوسيلة : تعلن ذلك تكرار أمام الجميع ولديها ثقة مفرطة في ذلك / حدود صدقها لم تحدد الرواية ذلك . ربما صادقة وربما مأجورة من قبل الأب العظيم لتمثل الجانب الدعائي .

الطفل الذي ينجو : هو المرغوب في نجاته من الأبوين / ينطلق للعب والبحث عن الكلب يصرخ في أول الرواية وأخرها لأبويه طلباً للعب والطعام وشعوراً بالوحدة والخوف .

الطفل الميت : براءة : في حواره مع الأب العظيم / عطفه : على الجرادة التي يطلق سراحها من فخ الأب / إغراءه : أوقع به الأب غيظاً منه حين عرض عليه هل يحب أن يطير ووافق دون أن يعرف مكر الأب / رد فعل الأب على تحريره الجراده أمات الطفل / الوسيلة لم تذكر الرواية كيف مات ولم تبين علامات قتل أو خلافه لكن المؤكد أن الأب وراء قتله ليدل على القسوة التي طالت حتى الأطفال .

الفتاة السمراء : الإحساس : سطوة الجسد تتمتع بتعذيب الآخر لها وتسلم نفسها لذلك الهوى . الوسيلة : تذهب إلى الأب بنفسها التدابير : يحضر السوط وتنزع ملابسها وتحرض الأب حتى يمتثل صورتها : تخيلها الأب زوجته الخائنة فأعمل السوط في جسدها بقسوة . رد الفعل : تتأوه متلذذة بذلك وتشجعه على الأكثر . الخفوت : تهمد عارية مع جسد الأب العاري وتتداخل في خفوت وهدوء .. هذا تشريح بسيط للشخوص الفردية باقي الشخوص تأتي ثنائيات فكل شخصين ذكر وأنثى لهما وجه واحد تقريباً .

كما نجد المرأة الطويلة وزوجها الرجل الطويل المخدوعين بكلام الأب العظيم شأنهما شأن باقي الأفراد في الرواية ونجدهما يرويان شجرة حياة الابن الرابع طبقاً لما قاله الأب العظيم . الفتى والفتاة الجميلان أيضاً يمتثلان لخرافة الشجرة والصفاء الروحي وتخليص الجسد والإصغاء للأشجار والعصافير يتآلفان ، يتحابان هم بمرور الوقت يضجران ويكتشفان خديعة الأب العظيم ولديهما طموح جارف كغيرهما للعودة كما نجد الشقراء والأصلع لديهما طموح العودة والخروج فقد سئما الشقراء تريد زوجها وابنها وتريد أن تأكل وتشرب وترقص لكنها مثله مسجونة برغبة الأب العظيم كما نرى البدينة والنحيف . لقد سلبهم الأب العظيم جميعاً حق الحياة وحق الخروج من بوتقته المريضة المدعية للكمه والعلم والتدين ، هؤلاء المرتضين الخضوع والاستسلام دفعوا جميعاً ثمن اختيارهم ألإذلالي بمحض الإرادة البشرية الجامدة .

5-3 الرمز والإسقاط : تنتمي الرواية إلى هذه الكتابات الجديدة التي تراهن على القارئ ووعيه وثقافته لما يستخدمه الكاتب من تقنية السرد مع الشخصية حيث يسرد الأشخاص عبر الحوارات بالإضافة إلى ما يسرده السارد العليم كذلك وجود مساحة للخرافة والخيال إضافة إلى التراث الديني المسيحي في الرواية كما تساهم الشخوص في هذه المراهنة تتمثل فيما يمكن إسقاط هذه الشخوص عن أوجه الحياة العادية من خلال تحليل عناصر الترميز في الرواية وهذا حق القارئ. بالطبع لم تصرح الرواية بتلك الإسقاطات الرمزية . لكن حق مكفول لكل قارئ عبر قراءته فيمكن للقارئ أن يأخذ على محمل الرمز كما يلي .

الأب العظيم يجسد حاكم يستغل سلطته ويتخذ التدابير الكفيلة بإخضاع الشعب له من إدعاء حكمة وسلطة دينية أو معرفية خادعة مع وجود حراس وحاشية متواطئة في هذه التدابير حرصاً على مصالح فردية .

الحارس وأمه العجوز والمرأة الخفيفة هم من الحاشية والحراس فالحارس واضح نهمه للمال وامتثاله لأوامر الحاكم والعجوز هي العالم ببواطن الأمور المتواطئ رغم تأنيب الضمير مع الحاكم مقابل المال .

والمرأة الخفيفة هي المروجة لحكمه ومعرفة الأب العظيم كما تدعي أنه شفاها وهي بمثابة المتحدث الإعلامي عن بركات وعلم وحكمة وقدرة الحاكم . الأب العظيم ..

أما باقي الشخوص هم عامة الشعب على اختلاف شرائحهم من فنان عازف – الفتى الجميل – وفنان رسام – الفتاة الجميلة والراغبين الحياة بشكل طبيعي الأصلع والشقراء والبدينة والراغبة إلى متع الجسد الفتاة السمراء وخلافه أما الأطفال فهم القادمون الذين ينجون وسوف يحكمون العالم كما تشير الرمزية إلى تدمير الحاكم لبلاده وشعبه قبل سقوطه فالأب العظيم أدرك رغبة الجميع وفي المغادرة سقوط وإنتهاء سلطة الأب عليهم فقتل الجميع وأفناهم بالسم وهذا يتماشى مع بعض الأقوال القديمة إذا أدرك الحاكم سقوطه عليه أن يحرق كل شئ عليه وعلى الآخرين مادام متأكداً من سقوطه وموته . هذا ما فعله الأب العظيم . الحاكم بالخديعة كما ترجح الرمزية العدالة السماوية وهي موت القاتل بنفس سلاح القتل يموت الأب بالسم الذي قتل به الآخرين ويموت الحارس بطلقة من بندقية حراسته إنه نفس السلاح الذي هدد به وأبقى على الآخرين تحت سطوة ورحمة الحاكم الظالم .

هذه سباحة في " الفردوس " وهو بالطبع فردوس مفقود لأنه قائم على الظلم والبطش وجبروت وتدابير خداعية .

لقد نجح الكاتب في أخذ القارئ معه عبر رحلة ممتعة من التجريب والترميز .

تمت بحمد الله

رمضان أحمد عبدالله

24/2/2011

» دراســـة نقدية في رواية الضوء والظلال لمحمد قطب
» دراســـة نقدية في رواية الحياء لأبو نصير عثمان
» دراســـة في رواية : مكاشفات البحر الميت _ رواية لأحمد محمد عبده
» دراســـة في رواية أين الكموني _ رواية د.إيهاب سلام
» دراسة نقدية في رواية السرابيل لمحمد الناصر