· دراســـة في رواية (( أين الكموني ))
· رواية د.إيهاب سلام
· - للكاتب أربع وعشرين كتاباً نستنتج من ذلك أن الإنتاج غزير عبر مراحل العمر وعندما يكون الإنتاج بهذه الغزارة العددية نتوقع أن تكون هناك أبعاد فنية كثيرة ولابد أن يكون هناك عمق في التجربة ومهارة الإبداع إنه الكاتب د.إيهاب سلام صاحب رواية " أين الكموني " الصادرة عن دار النور عام 2002 والتي نحن بصدد القراءة فيها .
1- موجز الأحداث :
تبدأ الرواية بالدكتور عادل نصرت الكموني وهو في القطار ذاهباً إلى أسوان ليصبح مديراً لمستشفى حكومي وهو الذي يحمل درجة الدكتوراه . يقابل مصادفة أحد الأطباء الذي يتشابه أسمه معه وهو الدكتور نصير نصرت الكموني. يحاول عادل البحث عن أخوة آخرين له . فربما تزوج أبوه من أخريات حتى يتصادف أن يتعرف على زميل له طبيب يجري عملية زرع كلية لوالد هذا الطبيب يأتي شخص لزيارة المريض لأنه رباه ليفاجأ عادل أن الزائر يدعى عبدالحميد نصرت يأتي الصحفي أحمد شقيق عادل ليغطي نجاح العملية صحفياً ومعه تأتي صحفية أخرى تدعى علا لتفاجأ أيضاً أنها تحمل نفس الاسم . تستمر الأحداث لنعرف أن المدعو الكموني نشأ لدى سيدة تدعى حكمت . كانت تذله لأنها هي الوصية عليه فكانت تتحكم في أمواله وتوصي رجالها ألا يدعوه يهرب . لكنه ينجح في الهروب ليتزوج بأول سيدة تدعى سنية . وينجب منها عادل وأحمد وإسعاد في عام 1950 حتى عام 1954 ثم يختفي الكموني بعد أن قبض عليه رجال حكمت وأعادوه إليها . بعد ذلك يهرب مرة أخرى إلى أسوان ليتزوج من أنيسه وينجب منها نصير وزينب من عام 1960 إلى 1962 ويختفي حتى يظهر في مصر الجديدة ويتزوج من زبيدة وينجب منها علا وأميرة وابتهاج من عام 1975 حتى 1977 ويختفي ليظهر في أسيوط متزوجاً حسنية وينجب منها عبدالحميد ورقية وكاملة . يحاول أحمد الصحفي أن يكتب تاريخ الكموني ليعرف سبب انتقالاته وترحاله وزيجاته وهل هو موجود أم لا ؟ حتى يأتيه خطاب من مجهول يشرح له فيه كل ما قلناه فيخمن أحمد أن الذي أرسل الخطاب أخيه عادل فاعتبر هذه الرسالة سراً عائلياً لا يجوز نشرها .
2- لمحة تاريخية :
لا توجد نقطة زمنية معينة يمكن أن نعرف من خلالها بداية الأحداث . لكن لدينا أن نتخيل زمناً للبداية تزوج الكموني من أنيسة عام 1950 وقبلها كان متزوجاً من حكمت فربما ولد الكموني عام 1928 أو عام 1929 ولما بلغ تزوج من حكمت بذلك تغطي الرواية مساحة زمنية من عام 1928 فتغطي مساحة ثمانين عام تقريباً . في هذه العقود الثمانية مرت مصر والعالم بأحداث جسام من احتلال وسيطرة الأجانب ومعاهدات وحروب وامتيازات أجنبية ووصاية الأجانب على مصر وتدمير شامل للبلاد ثم محاولة التحرر والتخلص من الأجانب وإعادة هيكلة الوطن وتنفيذ الأفكار التعاونية على طريق الاشتراكية والقومية ثم تغير الأحوال حتى النكسة ثم القفز إلى النصر والانفتاح . لم يتعرض الكاتب لهذه الأشياء مباشرة أو بالرمز فلقد سقطت هذه الفترة من اهتمام الروائي . لكننا رغم ذلك نلمح وجوداً للفساد والمعارف في ترقية الناس كما نعرف أن الشخص الذي يبعد عن شر الناس أصبح منعزلاً ومنطوياً فالشخص الذي يحمل درجة دكتوراه يعمل مديراً لمستشفى حكومي بدلاً من العمل داخل الجامعة . وكذلك نلمح سيطرة وتحكم حكمت في الكموني وأمواله وقوة رجالها في إعادته كلما هرب وأيضاً مشهد الجماعات الإسلامية التي اختطفت أختي الشيخ عبدالحميد لإجباره على الانضمام إلى تنظيمهم الفكري .
3- الموضــوعـات :
3-1 الترحـــــال :
يمثل أهم الموضوعات الموجودة داخل الرواية فالأشخاص كلهم يرتحلون لأسباب مختلفة فالكموني الأب نفسه يرتحل من القاهرة إلى مصر الجديدة ثم إلى الحلمية ثم إلى أسوان ثم إلى أسيوط وما يزال مرتحلاً مجهول الوجهة ثم ارتحال ابنه الدكتور عادل قهراً تحت مسمى الترقية وارتحال أحمد وعلا الصحفية لتغطية نجاح عملية زرع الكلية . أيضاً ارتحال عبدالحميد الكموني لطلب العلم في القاهرة وإلى قسم الشرطة ليبلغ عن اختفاء أختيه . وانتقال أحمد ولطيفة بين شقة والدته ووالدتها . ثم ارتحال سنية أم عادل لتقيم مع ابنتها سعاد لتربي لها أبنها من المقاول حسونة وارتحال عادل وأماني إلى القاهرة للزواج هرباً من سمعة دكتور تزوج ممرضة وأهم هذه الترحالات ارتحال حكمت خلف الكموني من خلال رجالها الذين يتعقبونه ويعيدوه لها أكثر من مرة .
3-2 البحث عن الذات :
الذات هي القيمة وأساس الانطلاق في الحياة فشعور الإنسان بذاته وهويته يدفعه إلى الاستمرار وحين لا يجد ذاته يبحث عنها ويجد في ذلك . فأولاد الكموني عادل وأحمد يبحثان عن أبيهما لأنه هو النسب والأصل وأصبح ذاتهم لذلك هما دائمين البحث عنه ثم يأخذ الذات بعداً هاماً لدى حكمت فهي تحكم سيطرتها وقبضتها على الكموني دون أن تخبره أن هذا المال الوفير ملك له فترى في السيطرة عليه تحققاً للذات فهو حين يهرب تبحث عنه وتعيده لأنه هو بالنسبة لها ذاتها وهويتها . أماني الممرضة تبحث عن ذاتها بالزواج من الدكتور عادل مدير المستشفى وفي نفس الوقت تخفي زواجها عن الزملاء ثم تُكمل حلقة هامة في حلقات تحقق الذات فهي ترفض البقاء في المنزل وترفض أن تترك عملها علماً بأنها اتفقت مع زوجها على ترك العمل بعد الزواج فهي خافت من أحداث الحياة وترى ذاتها وأمنها في الوظيفة بجانب الزواج. كما ترى لطيفة الصحفية زوجة أحمد أن أمنها في الوظيفة بجانب الزواج فلقد رفضت لطيفة أن تترك عملها وأصرت على مواصلة العمل .
ولا ننسى زواج سعاد من المقاول حسونة لما رأت شبابها يندثر ولم تذق طعم الرجال منذ أن توفي زوجها فترى في الزواج من حسونة رغم أنه كبير السن ومتزوج غيرها ترى في هذا الزواج تحققاً لذاتها وكذلك يقبل حسونة الزواج من سعاد للحصول على القرض كي يحقق ذاته .. هنا الذات تأخذ أبعاداً مختلفة فكل شخص يرى انه لديه مبررات للبحث عن ذاته وتحقيقها بالطريقة التي يراها .
4- التقنيــــة :
4-1 السرد والحوار :
يمثل السرد حرفة الكاتب في أسلوب صياغة الأحداث . فهو يستخدم السرد المباشر التلقائي المتدفق لديه فهو الحاكم في كل خطوط ومراحل الروى لكن السرد هنا يعني تتابع الأحداث وترتيب صياغتها والانتقال من مشهد إلى أخر يتماوج السرد مع الحوار . فالحوار أيضاً يساهم في صياغة وروى الأحداث ففي الحوار نلاحظ أن الكاتب أنطق شخوصه بلسان فصيح فلم يستخدم العامية في لغة الحوار على الرغم من تنوع مستوى الثقافة والتعليم والعمر ولكن هنا تنعكس قناعة الكاتب وإيمانه بأسلوب وتقنية وثقافة فنية . كذلك يأتي الحوار مشاركاً ومتفاعلاً دون أن ينفصل عن السرد مع استخدامه لغة سهلة فلا يجنح إلى تراكيب لغوية مجهدة للذهن ولا يعتمد على الوصف الكثير . في صـ54 حوار بين سعاد زوجة حسونة المقاول وزوجته الأولى .
وسألتها : هل أنت سعاد الكموني ؟
قالت : نعم
قالت المرأة بفضول : هل تزوجت حسونة المنيري ؟
قالت وهي تتماسك : تزوجنا على سنة الله ورسوله . والشرع يبيح له الزواج باثنتين أو ثلاث أو رباع .
حاولت المرأة البدينة القوية أن تنقض على سعاد وأن تتقدم منها وتضربها ، غير أن المرأة العجوز منعتها وهي تسأل : وعلى ماذا تزوجك ؟ لست صغيرة السن ولا الشباب ينطق بآياته على وجهك . وان كنت جميلة حقاً لكن شبابك سوف يزوي بعد قليل .
4-2 لعبة المصادفة :
ليس المقصود بها الصدفة الفنية التي لا تخضع للقصد أو النية لكنها المصادفة التي تحرك الأحداث فالكاتب يحرك الأشياء تلقائياً مع تداخل عنصر الصدفة . فالصدفة هي التي أدت إلى أن يتعرف عادل نصرت على أخيه نصير نصرت وهي أيضاً قادت إلى وجود عبدالحميد الكموني في المستشفى وكذلك وجود علا الكموني لتغطية نجاح عملية زرع الكلية والمصادفة هي أدت إلى لقاء أحمد مع لطيفة والمصادفة هي التي أوصلت حسونة مع سعاد ليتزوجا . إذن هناك سيمفونية مصادفات تتجول بالقارئ طوال أحداث الرواية ولقد نجح الكاتب في توظيف هذه الخيوط المصادفية فحياة الكموني كلها مصادفات يختفي صدفه ويظهر صدفة ويتزوج صدفة وينتقل من مكان إلى مكان صدفة .
5- التشخيص :
حقق الكاتب توازنا في رسم ملامح كل شخصية . لكن تظل شخصية الكموني هذا الشخص السراب الذي يمثل بؤرة الرواية هو البطل الحاضر المسيطر على الاهتمام وهو الغائب الغير مستدل على عنوان له . لقد تحدثت عن الكموني زوجاته لكن تظل ملامحه متداولة ولا يعرفها أحد لقد نجح الكاتب في أن يجعل القارئ يلهث وراء هذه الشخصية المنفردة في ذاتها . أما عن شخصيات السيدات اللائي تزوجن الكموني لهن نفس الملامح الذهنية والفكرية فهن لا يعرفن أي شيء عنه . منهن من تزوجت بعده مثل حسنيه وأنيسة لتربية أبناءهما ومن لم تتزوج بعده مثل سنية وزبيدة تحملتا تربية الأبناء بمفرديهما واعتماداً على الذات . يجسد الكاتب المصالح من سعاد وحسونة المقاول امرأة تريد أن تروي ظمأها الإنساني ورجل يريد أن يروي ظمأه للمال . لقد اعترفت سعاد بذلك لزوجة حسونة الأولى وكذلك نجح الكاتب في عمل مثل هذه الثنائية الفنية في التشخيص فنجد ثنائية بين أحمد الكموني وعادل الكموني يتزوجان وهما على مشارف الخمسين عاما وثنائية شخصية بين أماني الممرضة ولطيفة الصحفية كل منهما كانت مقتنعة بعدم عمل المرأة وخالفتا ذلك بعد الزواج.
6- مأخذ على الرواية :
كان على الكاتب أن يفرد مساحة للأحداث الزمنية التاريخية على خلفية الأحداث الروائية لكنه اعتمد فقط على الأحداث الروائية واسقط ما يقارب من ثمانين عاماً كخلفية زمنية ومع ذلك استطاع الكاتب السيطرة على الأحداث ودقة السرد مما يجعلنا نبحث معه أين الكموني .
تمت بحمد الله
المنيا في : 18/7/2009 رمضان أحمد عبدالله