اللاتقليدية والمكاشفات في الغزالة
تتنوع الانتاجات فتنفتح أمام المبدع مجالات الإدراك و البصيرة و الإبداع . لذا تتفاعل الثقافة الإبداعية مما يخلق خبرات فنية كثيرة . من أحد هؤلاء يأتي الكاتب قاسم مسعد عليوه صاحب عشر مجموعات قصصيه و ثلاث مسرحيات و ثلاث مجموعات للأطفال و دراسة نقدية و عشرات الأبحاث و المقالات في مجالات مختلفة . من هذا التعدد ندخل إلي رواية الغزالة الصادرة عن سلسله روايات الهلال عام 2010 التي تصدر عن دار الهلال في مصر .
1 – ( مكاشفات الأحداث ) تنقسم الرواية إلي 21 فصل كل فصل يتكون من أجزاء ليصل إجمالي عدد الأجزاء إلى مائه خمسه وستين جزء تحوي كل هذا الأجزاء تفاصل الأحداث .
- قلت لمعلمي اتبعك .
تنفتح الرواية عن الراوي الذي يطلب من معلمه أن يتبعه . يسيران حتي يجدان غزالة . يرفض المعلم ذبحها . تسير الغزالة معهما . تهاجم الغزالة شخصاً يحاول أخذها ثم تتصدى للحاكم الذي يحاول أخذها أيضا . يهتف المعلم لها أن تنصرف فتنصرف و هي متحسرة .
- في مدينه اللذة و الانبساط .
يُسمح لهما بالدخول فيها لمده أربع و عشرين ساعة فقط . يجدان شحاذون ثم يضع الأطفال في جيبهما بطاقات بها عناوين للحانات . يريان صاحب محل عطاره مقتول يتقاسم الشرطي والقاتل وصاحب عربه الموتى محتويات محل العطارة . في حديقة المدينة يتحدث الراوي مع المتكلمين يقذفونه بفاسد الثمر يعلمه المعلم ألا يتكلم إلا لضرورة . تعرض عليهما امرأة أن يأتياها بأربعة زبائن و لهما عمولة و متعة الاستحمام و قضاء ليلة معها لكل منهما . يخاطب الحاكم شعبه أنَّا ثمة مأجورين يفسدون حياتهم و انه يقدر معاناة شعبه لذلك كتب روايتين سوف تسرَّيان عن الشعب , لذا يحرض المعلم ناس المدينة يحكم عليه بالإعدام لولا تدخل الحارس الذي ادخلهما إلي المدينة .
- درس في الشجاعة .
يتحدث الراوي عن خلجات معلمه , ثم يعلمه المعلم معني النقاء يدخل المعلم على تلاميذه عاريا فيعلمهم بذلك درس الشجاعة . يطلب منه المعلم أن ينزع عن نفسه الهلاهيل و الخرق التي يرتديها ثم يقوده إلي صاحبات البيارق و الرايات . يقف المعلم أمام البحر . يدوس فوق الموج و عيناه باتجاه الأفق . يحزن الراوي لأنه لم يطلب منه أن يتبعه .
- جوسق الصداقة و رياض الأطفال .
يقول المعلم لتلاميذه صادقوا من يغفر لكم الزلة لأن التقاء الصديق بالصديق مثل الضوء مع الظل و الهواء مع الماء والتراب , يري شباباً يسألهم عن سر انبساطهم يخبرونه أنهم حافظوا علي عهد الصداقة يحتضنهم شابا شابا .
- في البصر و البصيرة .
ينزع المعلم للراوي رموشه و أجفانه و يطلب منه أن يخرج للشمس كي ينعم بعماه . يرد المعلم على احد المريدين الذي تعب من الرياضة و المجاهدة , انه بدون تحمل لا يكون اجتهاد. كما يطلب المعلم من الراوي أن يغمض عينيه ليبصر كل شيء ويعلمه أن البصر مثل البصيرة يجب غضهما عن مساوئ الناس وحاجات البصير موصلة بحاجات الضرير .
- تمام اكتمال المرأة :
في طريقهما في الصحراء يعلن المعلم أن الرجل و المرأة كل منهما أسفنجه الأخر . يريان نساء عرين سيقانهن و هن يملأن الجرار . يسأل الراوي معلمه هل هما في صحراء ؟ يرد المعلم أن الصفاء تحققه النساء لأن المرأة انعتاق و مخاطرة وهي حامية الرجال و حين تحب وتنجب تعلن تمام اكتمالها .
- في الحب و الصبابة .
يسأله المعلم هل أحب ؟ يرد الراوي انه سيحاول ثلاثة أشخاص كل يشكو وجده مع محبوبته يرد المعلم النساء النساء . يمضي المعلم إلي المدينة ثم يقول الهوى هو الهوى , تمر به حسناء هيفاء فيدخل المعلم في أحوال غير أحواله و يعلن انه لا تعقل بالحب ولا بالعقل نحب فالحب كالمطر أما العذاب من صنع المحبوب .
- من أقوال معلمي .
يعلمه المعلم أشياء هامة فيخبره أن خدمة الخلق عطاء واستخلاص الحق و اجب و إتباع الطريقة ضرورة ثم يعلمه الانبهار و الصفوة لأن السخاء يعطي جودا , و الرضا يعطي قبولا
الصبر جلدا .
- رجال شائهون .
يدخل رجل مدعياً انه صاحب طريقة ورجل آخر يخبرهم انه درويش , ينظفونه يري نفسه في المرآة يفر مذعوراً عارياً . يمر بهم رجل حول عنقه جواهر و هو عفن الرائحة . يخبره المعلم أن ينظف جسده ثم يجدون الطير تنهش لحمه و قد تباعدت الجواهر عنه , و رجل يفتخر انه يبطش بالجميع و انه يتحدى الموت يسقط فجأة و يتدحرج .
- لما تبعني معلمي .
يري الراوي في منامه أن معلمه يتبعه , فالراوي أدرى بالسبخة ومعلمه أدرى بالفلوات و الحديد و النار . يغوصان في السبخة حتى الذقن و تظهر عليهما الحشرات و الحيات . يسأله المعلم ماذا فعلت بنا يا أحمق في منامك ؟
- مديح من لا يصلح معه سوي المديح .
يعلن المعلم للتلاميذ أن الجسد ما كان يوما خطيئة . بعد حوار حول الروح و الجسد يخلع المعلم خرقته و يطلب أن يخلع التلاميذ كي يُنقوا الجسد ولابد أن يتحدثوا عن الجمال فما أسهل الجسد أن يتمرد علي القيود . يمران في المدينة بأناس مقطوعي و مبعثري الأجزاء جزاء قصاص يخطب المعلم فيهم بئس القصاص هذا و كيف ارتضوه . يدخلان بيت المتعة و لا يشعران بالابتذال يعلل المعلم ذلك أنهما ألفا بين الخصمين الروح و الجسد .
- أوقات للجلوة أوقات للاضطراب .
يجدان رجلا فخم الملابس قذر الجسد وخلفه تشريفة حراس . يكفكف المعلم دموعه و يذهب إلي النهر , يخاطب الطبيعة بأنه جزء من جزئيات . تظهر بعوضه حول رأسه فيصيبه اضطراب . يريد المعلم أن يصرخ في البرية , أن يشقوا جلده و يخرجوه من جوفه ليعرفوا سر اضطرابه . يخبرهم المعلم انه مثل الطبيعة له أحوال ، يختفي المعلم و بعد بحث يجدونه عند البوابة يرجو حراس السجن أن يفتحوا له ليدخل كي ينعم بحريته .
- مع الوحش أمامه وفوقه .
يسيران في الغابة . يريان طاووسا يريده الراوي عوضا عن الغزالة . يرد المعلم ما كانت الطواويس مثل الغزلان . يقابلان حية تأتي وتتمسح بالراوي . يرى الراوي في يد معلمه عصفور بمنقاره فراشه هاربة من النار . يعلمه المعلم أن الطبيعة حمراء بين الناب و المخلب . يقطع ذئب الطريق على صبي وصبية يجره المعلم من أذنه فيستكين . يجدان نمراً جريحاً يعالجه المعلم . يريان ديدان يطلب المعلم منه ألا يحتقرها لمجرد أنها ديدان فالطبيعة تنظف نفسها . تظهر لبؤة تحاول الفتك بهما يسيطر عليها المعلم . تخضع هي وزوجها و الأسود أولادهما . يُخيل للراوي و المعلم إنهما رأيا الغزالة .
- أنا و معلمي و الكريهة .
يقص الراوي عن كراهيته و معلمه للحرب و ما تتركه من دمار وخراب في أرجاء المدينة . يشهدان مناظر موتي و جنازات عديدة . يلمح الراوي طيف الغزالة يعجب لم لا يناديها المعلم .
- الرؤية و الإدراك .
في الصحراء يسيران يريان حيوانات كثيرة . يجدان الغزالة تتصارع ضد فهد يحاول أن يقتلها لكنها تهزمه . يسأل الراوي المعلم ألا يحن للغزالة يرد معلمه كيف أحن لها وهي معي فالرؤية ليست شرطا للإدراك .
- قال معلمي شيخي يحتضر .
يطلب المعلم من الراوي أن يستعد للسفر لان شيخ المعلم يحتضر. يرد المعلم أن الطريق إلي الشيخ محفوف بالمخاطر . ينفذ الطعام يعاتب المعلم الراوي لأنه القي بالطعام إلي الكلاب و القطط . يرد المعلم أن الجوع و العطش رياضه . يغفو المعلم تحت شجره تأتي أفعى يخاف الراوي يفيق المعلم و يعاتبه كيف يخاف من أفعى . يحكي المعلم عن كرامات شيخه . ينتقلون إلي الهضاب يجدون الشيخ بين جبلين واقفا فاتحا ذراعيه ثابتا و ميتا .
- ثمرة المولودة و عقوبة الانفصال .
في حجره الدرس يخبرهم المعلم أن الكون مكون من أجزاء يتمني الراوي منظار الكشف أوصاف النجوم . ينادي المعلم الراوي بولدي ثم يخبره أن الكون ضروري و كل ما في الكون مدور لان تمام الاكتمال في الدائرة . يريان ينازجاً و شهبا تتوهج ثم تنطفئ يقول المعلم إنها عقوبة الانفصال .
- في معية اللازوردي المخاتل .
يطلب الراوي من معلمه أن يفيض عليه من بحره . يرد المعلم طموح بلا همة قارب بلا مجداف . ثم يدفعه المعلم في البحر . يخبرهما صياد أن البحر محتشد بالمستور والمجهول . يجدان رجلا ارتضي لنفسه المخالفة و يشرب من الماء المالح للبحر . يخبر الراوي معلمه عن كرامات السابقين يقول المعلم لا تقل رأيت بل قل لتراءي لي . يهيج البحر فيلقي قواقعاً و محارات إلي الشاطئ تأتي طيور تلتقطه ثم يجدان جسدي رجل و أمراه ملتصقين ملتحمين .
- زيوت المسارج و فتائلها .
يقر المعلم للراوي بأنه لا تزيد معرفه إلا بمعرفه . عالمان يصر كل واحد أن رأيه صواب . يرد المعلم لا كشف بتوهم ثم يطالب من الواقف في معمل الكيمياء أن يعلمهم أصول الحرفة و يقرر المعلم أن الإنسان مصدر اللهب و لا علم بدون إبداع فأصحاب كتب العقائد عبروا عما يعتقدونه لا عما ينبغي وعلي الناس ألا تروج هذه الضلالات . يفرق المعلم بين العلم و المعرفة في حواره مع مهندس يشكره لأنه أنقذ المدينة من دمار بعد ما صحح للمهندس تخطيط مشروع هام . يبكي المعلم ويقول لتلاميذه أنه خدعهم فكل شيء أصابه النقص والعلم دمار والفيزياء و الكيمياء و الهندسة عار و خراب .
- دهن ذائب في قدر متقدم .
ينكر المعلم الكرامات . يحاول الراوي تقليد معلمه . يذهب إلي الصحراء طالبا الغزلان لكنه يخاف الذئب . و يخاف أيضا أن يفتح جراب الثعبان . يحاول السير فوق السور فيقع في الماء . يفرح بعوده معلمه . يخاطبه المعلم ألا يخاف من العويص و لا يركن للعزلة . فجاه تظهر الغزالة يخاطبه المعلم أن لكل واحد طريقه ثم يختفي ومعه الغزالة في الصحراء .
- بعد أن يهجرني معلمي .
تراه امرأة جميله بعد أن هجره معلمه . يحاول الانصراف عنها تناديه بعد إن تشلح ثوبها ألا تجفل من موطن نجاته . بينما ينعم بالدفء و النعومة يبحث في جسدها عن موطن نجاته .
2 – مكشفات الأطروحات :
تتدخل الأطروحات داخل الرواية فهي رواية انتقال و ترحال ووعظ و كرامات فنري المودة بين الراوي و معلمه طوال الرواية وحنين الراوي الدائم لمعلمه حين يفارقه وحنينه لرؤية الغزالة حتى يتخيل في كثير من الأحيان أنه يراها ثم حنين المعلم إلي أستاذه حين يذهب إليه عندما يدرك انه يحتضر . نجد الحرب وظلالها تطل برأسها في (أنا ومعلمي والكريهة) لندرك أن الحرب هي الكريهة لما تسببه من دمار و خراب و قتل . فهي لا تفرق بين الأشياء فتأتي علي كل شئ . فساد الحكام و الشعوب جلياً في (مدينه اللذة و الانبساط ) فالحاكم يجلد و يعذب شعبه و يصبَّرهم علي الجوع و المعاناة بتألف روايتين تسليان الشعب . من المتاجرين بالمواخير و الشرف إلي الوقوف علنا يعلنون عن الحانات و الغانيات لهن عناوين . كما تطلب أحدي الغانيات من المعلم و الراوي أن يأتياها بأربعة زبائن ولهما عمولة و يقضيان معهما ليله متعه و استحماما . يدخل الكاتب إلي التعبير عن الأضداد وتقلبات أحوال الطبيعة . فالطبيعة لها أحوال و تقلبات كذلك الإنسان مثل الطبيعة متقلب الأحوال (أوقات للجلوة أوقات للاضطراب ) . ينتقل الكاتب إلي عالم المرأة و الحب والاكتمال وعلي الإنسان أن يحب و يحرر الجسد من الصراع من الروح فلابد من التآلف بين الضدين الروح و الجسد و هذا نصح ووعظ وحكم المعلم لتلاميذه و للراوي ( لما تبعني معلمي ) أما عن الحب والصبابة واكتمال المرأة يأمر المعلم تلاميذه أن يحبوا لأن الحب كالمطر الذي يربي الصحراء بينما العذاب من صنع المحبوب . كما يتابع لا تعقل في الحب و لا حب بالعقل ( في الحب و الصبابة ) . ثم يجد اكتمال المرأة في الإنجاب فالمرأة عندما تنجب تصل إلي حد الاكتمال . تطرح الرواية كذالك سلبيات العلم و ما خلفه من تدمير . فيعلن المعلم للتلاميذ انه خدعهم فالعلم دمر الإنسان فالفيزياء و الكيمياء و الهندسة عار وخراب و عقم . العلماء أيضا كل يدعي صواب وجهة نظره هو فقط و يتجادل عالمان كل يدافع عن رأيه نري تشابك هاتين الجدليتين في ( زيوت المسارج و فتائلها ) . الطبيعة لها تضاد وكذالك الصداقات بين الناس نجد فيها تضاد رغم ذلك للأضداد أهميه و للصداقة أهميه كل لا يستغني عن بعضه لان في التضاد تكامل ( جوسق الصداقة ) . يمكن للإنسان أن يدرك مالا يراه فالرؤية ليست شرطا للإدراك فالمعلم يدرك أن الغزالة معه رغم انه لا يراها عندما يطلب الراوي أن يرى الغزالة و يعلن أن الرواية ليست شرطا للإدراك ( الرؤية و الإدراك ) . تتواجد جدلية الخرواقات بعيدا عن المنطق الواقعي لكن من خلال المنطق الخيالي للأحداث فكرامات المعلم التي يريد أن يتعلمها الراوي تتضح أمامه و لا يستطيع أن ينالها . فالمعلم له خروقات للعادة وللطبيعة البشرية فالغزالة دائماً معه يدركها بالبصيرة ( البصر والبصيرة – الرؤية – الإدراك ) كما انه يستطيع بخروقاته السيطرة علي الحية . و اللبؤة و الذئب و يداوي نمرا جريحا في ( مع الوحش و أمامه و فوقه ) و للغزالة خروفات أيضا خارج منطق الواقع فليراها في ( قلت لمعلمي اتبعك ) تهزم رجلاً حاول أن يأخذها كما تهزم الحاكم الذي يحاول السيطرة عليها و أخذها عنوه . ثم تمتد هذه الخروقات عندما تهزم الفهد الذي يجهم عليها ( الرؤية و الإدراك ) . تساير الغزالة خروقاتها منذ المشهد الأول حين يأمرها المعلم أن تنصرف فتنصرف لكنها متحسرة علي فراقه . يحاول الراوي ممارسة الخروقات أو الكرامات لكنه يفشل عندما يذهب إلي الصحراء طالبا الغزلان لكنه يخاف الذئاب ويحاول السير فوق السور فيقع في الماء , و يحضر ثعبان لكنه يخاف أن يفتح الجراب ( دهن ذائب في قدر متقد ) . أن هذه الكرامات لا تتأتى لأي احد فهناك قدره خلف الطبيعة أو ما وراء الطبيعة تحجب هذه الكرامات . يحاول الراوي أن يخترق الحجب لكنها مجهولة فعند ما يحاول أن يبحث في جسد المرأة التي أغرته أن يجد موضعا لنجاته وهو هائم في نعومة ودفء جسدها البض ( بعد أن هجرني معلمي ) . في محاولاته البحث والوصول إلي الكرامات أو خروقات أو سر خاص به لكنه غالبا لم يجد ذلك .
3 – مكاشفات التقنية :
3 – 1 السرد والبناء :
اعتمد الكاتب في بناء روايته علي عناوين بدون أن يضع كلمه فصل أو فصول لكنه وضع عناوين فنجد الرواية تتكون من واحد وعشرون عنواناً رئيسياً بالإضافة إلي أربع عناوين فرعيه وكل عنوان رئيسي يحتوي علي أجزاء داخليه بأرقام فيأتي الهيكل البنائي العام للرواية يحوي 25 عنوان و 165 جزءا . تتضافر كل الأجزاء لتعطي هيكلا عاماً هندسياً غير تقليدياً إلي حد كبير . أما عن تكنيك السرد أو القص . يستخدم الكاتب القص بلغة الآن حيث يروي الراوي كل أحداث الرواية و يختفي هنا الراوي العليم أو الراوي الخارجي أو من يمثل صوت الكاتب المباشر لكن الكاتب وضع كل خبرته و ثقافته و تواري خلف الأحداث . فالراوي يقص رحلته مع معلمه و تجوالاتهما . مع هذه التقنية السردية توجد مساحة للحوار بينهما أو بين المعلم و التلاميذ أو بين الأشخاص و بعضهم أن كان الحوار قليلا و اغلبه بين الراوي و المعلم . يعطي الكاتب أهميه خاصة للحشد المكاني نظرا للتنقل و الترحال الكثيرين عبر رحلة الراوي و معلمه كما يستخدم الكاتب جملا تقترب في بنائها و معانيها من اللغة الصوفية . كما يركز حواره باللغة الفصحى دائما .
3 – 2 : اللغة و الألفاظ : يضع الكاتب عينه و خبرته علي استخدام ألفاظ غير مطروقة إلي حد كبير و يوظفها داخل الجمل لنقف على معجم لغوي للكاتب غريب جدا و مرهق كذلك للقارئ العادي و المثقف أيضا . ندرك أيضا قدرة الكاتب علي صهر هذه الألفاظ في الجمل مما يمثل تكنيكاً فنياً أجاده ليعبر عن الجو النفسي و الوجداني القريب من الصوفي . و لا ننكر أن بعض هذه الألفاظ تحتاج في أوقات كثيرة إلي كشف معجمي لأن ثمة ألفاظ غير معروفة المعاني . علي صعيد المفردات نجد (يتقحمهما صـ 33 – دبق صـ 55 – أوضارها صـ 34 – مسمولتان صـ55 – التصالب صـ 54 – السوائم صـ38 – جادية صـ 39 – الوهاد صـ 41 – الكلال صـ 43 – غُلمة صـ 42 – رنوة صـ 42 – شائهون صـ49 – حلحلناه صـ 50 – الأدشاش صـ 50 – التجلَّة – اللجة / اسبغنا وألغبنا صـ 102 – فمجه 117 – أراذل صـ 135) يوجد مفردات عديدة يصعب حصرها في هذا المقام . أما على صعيد تراكيب الجمل نجده يستخدم ( لحية ملبده صـ 49 / حشرات مستدقة صـ 49 / تحت قشف وقشور / بسماكة خراشف ظربان التلول صـ 50 / مصلومو الأذان صـ 63 / ما ارتداه كان قشيبا صـ72 / بالقرب من أجمة صـ 103 / أعد ميرة السفر صـ 105/ محفوفة بعجفة صـ 105/ فوق الثبج صـ 110 / أحفى الثبج القارب صـ 116/ كلما طفوت فوق ثبجه صـ 116 . أمضني غيابه صـ 140) هذا جزء صغير من التراكيب للتمثيل لا الحصر، والسؤال هل القارئ لديه مهارة فك طلاسم المفردات والتراكيب ؟ !
3-3 : الحشد المكاني : يحظى المكان بحضور كثيف . لا يوجد مكان محدد تدور في فلكه الأحداث فيعتمد على أماكن كثيرة متعددة منها ما يشير إلى دراما الحركة فالراوي والمعلم يتنقلان عبر هذه الأماكن بشكل عام . تكتسب الأماكن أهمية لتعددها وبذلك تتعدد الأحداث . يستخدم ثمانين مفردة للمكان داخل الرواية . من هذه الكلمات ما يستخدمه أكثر من مرة من مفردات المكان نجد (الدروب – بوابة – محل عطارة – السجن – السوق – الصحراء – مدخل – المدينة – ساحة تنفيذ الحكم – سطح المنزل – قاعة الدرس – قاعة – النهر – البحر – الجبل – الحارة – الحي – الشوارع – ميدان – الغابة – بطحاء – عتبة – السماء – مؤسسات الحكم والإدارة – حجرة الدرس – أزقة المدينة – البئر – الأرض – القمة – السطح – أبواب – بيمارستانات – الحدائق – المرج – المشرب – الهضاب – اخشبين – ساحل – أحراش – خان – الجبال – المكتبات ).
[4] مكاشفات التجريب : رؤية
ينضم الكاتب إلى هؤلاء الذين يكتبون بشكل غير تقليدي . هذه الكتابات تعتمد على تقنيات النص المفتوح أو المكتوب كما يقول رولان بارت . هو نص يستطيع القارئ أن ينتجه مع نفسه ويقتضي بذلك تأويلاً متغيراً عند كل قراءة . بذلك يكتسب النص تعددية بتعدد القراءة " راجع كتاب دليل الناقد لمؤلفيه سعد اليازعي – وميجان الرويلي " المركز الثقافي العربي بيروت – ينطبق النقد الشكلاني أو الجديد على هذه الكتابات فهو يركز على الوحدة المتجانسة ويرفض الفصل بين الشكل والمحتوى ، كما أنه يعتمد على المخيلة والوحدة العضوية . بالطبع تتفوق لغة الأدب على لغة المؤسسات ، لأن لغة الأدب تتسم بالمجاز والاستعارة والغموض والتجسيد . مع ذلك تتعامل هذه الكتابات وتعالج موضوعات شديدة الواقعية فهي تختار موضوعات من المواقع لكنها تجنح إلى الرمز والخيال ولذلك تسمى كتابات جديدة لأنها كتابات غير تقليدية تنطبق الرؤية اللاتقليدية في هذه الرواية كما يلي :
1- طريقة البناء الخارجي للرواية غير تقليدية (راجع هنا الجزء الخاص بالبناء في هذه الدراسة) .
2- صعوبة معرفة الموضوعات مباشرة التي يريد طرحها فهي تحتاج إلى قارئ مثقف ومثابر .
3- الاعتماد على الرمز والخيال أو الفانتزيا .
4- لا تقليدية الأحداث .
5- استخدام لغة قريبة جداً من اللغة الصوفية .
6- استخدام مفردات ذات طبيعة معجمية خاصة غير مألوفة .
7- الحشد المكاني حيث يستخدم مفردات مكانية كثيرة متعددة .
[5] مراهنة على القارئ : استنتاج
بالطبع ليس الأدب للأدباء فقط وليس الفن للفن ولو كان الأدب للأدباء والمهتمين به فقط لجلسوا في غرف مغلقة يتداولون فيما بينهم هذا ما يقوله الدكتور محمد مندور في كتابه الأدب ومذاهبه (فالأدب الذي ليس له جمهور هو أدب ميت لا محالة) لذا يبرز دور القارئ كعنصر مشارك الإبداعية .
جاء الاهتمام بالقارئ كرد فعل على إهمال السياق الخارجي والتركيز على النص ذاته فيما يُعرف بنقد التلقي والاستقبال . كما جاء في كتاب دليل الناقد لمؤلفيه سعد اليازعي وميجان الرويلي (ينقسم القراء إلى قارئ مفترض وقارئ حقيقي . القارئ المفترض من اختراع الناقد وهو آلية تساعد الناقد على شرح النص وتفسير آلياته . كذلك يوجد القارئ المضمر والقارئ المثالي والقارئ المستهدف وأخيراً جمهور المؤلف . القارئ الحقيقي الذي يقرأ النص ومعه يصبح الإنسان مجالاً للنقد ) . نرى كثيراً من التشابكات من الكتابات الجديدة أهمها هل يقوم القارئ بإسقاط اهتمامه على النص أم أن النص نفسه يفرز هذه الاهتمامات في القراء ؟! أم هل السياق الاجتماعي يملي القراءة والاستجابة أم أن الايديولوجيا والتحيز السياسي أم الحالة النفسية أم هي الكفاءة المكتسبة وكذلك أيضاً هل المعنى في النص أم عند المؤلف ؟؟ هذا ما تطرحه نظرية الاستقبال واستجابة القارئ . طبقاً لهذه الإشكاليات تطرح الكتابات الجديدة مراهنة على القارئ . في هذه الرواية نجده فيما يلي :
1- منذ الإهداء صـ 3 نجده يقول ( إلى الذين يبحثون عما لا يجدون ) هذا يضع القارئ في إشكالية البحث عن التأويل .
2- صـ 4 يقول " في المجاز حياة " ثم صـ 5 يقول " لا تخف من العويص ، ولا تفر من الرمز " هذا يوحي للقارئ بأنه سوف يدخل مجرات وإبحارات ومجادلات ورموز وعليه المثابرة والتفسير .
3- طريقة بناء أحداث الرواية .
4- استخدام رموز وخيال يبعد عن الوقع كثيراً .
5- أسلوب مزج ومعالجة الموضوعات التي غالباً تكاد تختفي وعلى القارئ أن يبحث عنها وسط الأجزاء والحكايات الكثيرة .
6- استخدام جمل وتراكيب ومصطلحات تقترب من الصوفية رغم أنها رواية واقعية رمزية .
[6] مكاشفات مضادة : نقف مع الكاتب في الرواية وقفة مضادة تختلف فيها وجهات النظر والاختلاف تكفله وجهات النظر المتعددة . أرى الآتي :
أ- المفردات والتراكيب تركتا صعوبة في التلقي فالقارئ العادي والمثقف لا يقدران على فهم هذه المفردات والتراكيب التي تحتاج إلى كشف معجمي .
ب- بعض الزيادات السردية والوصفية مثل :
- صـ 43 مشهد رقم 6 / صـ 63 – 64 – 65 طول مشهد وصف العطن والعفن كان يمكن التكثيف / صـ 66 – 67 حوار المعلم طويل / صـ 68 طول مشهد الوصف / صـ 94 مشهد 9 زائد / صـ95 المشهد 10 زائد . صـ 125 مشهد 7 زائد / صـ 102/103 المشهدين 3/4 زائدين .
- الجزء الخاص (أنا ومعلمي والكريهة ) لم يكن في حاجة إلى أرقام داخلية .
تمت بحمد الله
القاهرة 7/6/2010
رمضان احمد عبد الله
الأحد ديسمبر 10, 2023 1:26 am من طرف ozorees_moslim
