كتابــــة من الحيـــــاة
· دراسة في مجموعة: (قبلة من شفاة الجنون ) لسيد علي عبدالله· ******************************************************** - تتعدد محطات الإبداع فتكثر الأوجاع ومن الأوجاع ما يثير الضحك المبكي أو ما يعرف بالسخرية المفجعة . فحين تتعانق الكوميديا مع المأساة في حبال الملهاة تكون السخرية مغرقة في الضحك ومغرقة في البكاء . هذا ما نجده عند الشاعر القاص سيد علي عبدالله في مجموعته (قبلة من شفاة الجنون) الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2009 لقد التقيت به شاعراً في ديوانين بالعامية هما (في العارضه – سلام بالفريك) تحتوي المجموعة على أربعة عشر قصة .
[1] محطة الموضوعات : يسيطر على قصص المجموعة موضوعان يبرزان إلى الوجود هما الهموم والسخرية ندخل إليهما كما يلي :
1-1 الهموم : هي الوقفة الأولى وإن كان يغلفها التهكم . في (هواجس الحظيرة) تفجع الزوجة عندما ترى البطة تجهز على عصفور حاول مشاركتها الطعام بينهما الزوج يغلق الباب خوفاً أن يأتي عمال شركة الكهرباء بعد أن قام عمال شركة المياه بزيادة سعر المتر المكعب . في " الحرب الخاسرة " يصدر ضد البطل حكماً لأنه لا يملك تذكرة رغم اختفاء التذكرة بين تلافيف منديله القماشي . في (المقعد الخلفي) يضرب الرجل زوجته بسبب ضغوط الحياة ثم يصرخ في الركاب وهو في الأتوبيس أن يصمتوا لينام . في (حالة حرب) الزوجين المذيعة فائقة الجمال والضابط العسكري عندما حقد عليهما الجميع تنشأ دائماً بينهم حالة حرب بينما الولد والبنت يلعبان تاركين هذا الصراع الدائم . يدور صراع بين الماضي والحاضر فالرجل صاحب ستة وخمسين عاماً يذهب لشراء أرغفة يحاول إقناع الواقفين أمام الفرن أن يقفوا صفاً لكنه يفشل ثم يتجه إلى المترو ينجح في إقناع الناس أن يلتزموا بالصف – يتذكر همومه وحياته فينسى محطته فيقرر العودة إلى منزله تاركاً أخته وخلافاتها مع زوجها في (الدوائر المفرغة) كي تتولى هي حل مشكلاتها مع زوجها .
1-2 السخرية :
هي المحطة الثانية في موضوعات المجموعة السخرية تعبر السخرية هنا عن المرارة والإحباط فهي الضحك المرير . في (ليلة القبض على التذكرة) يسخر من رجل فقد تذكرته وبعد تهمة الإهمال يخرج منديله يجفف عرقه يجد التذكرة بين طيات منديله القماشي . في (فرق جوهري) زوج وزوجته ينهلان من عسل الزواج. الزوجة تكره وتغار من حماتها المتوفاة والتي لم ترها ليدرك بعدها الفرق الجوهري بين الزوجة والأم في الحنان الأولى تأخذ فتعطي وتطلب المصاريف والثانية تعطي حناناً بلا مقابل . في (القطة لا تأكل الجزرة) يجري مدير المصنع اختبار بين تسعة أشخاص يفاجأ الجميع باختيار شخصاً غير متوقع في إجابة عن سؤال ما هو الحيوان الذي يسير على أربع ويقول نو . أجاب الرجل انه السمكة فحظى بالترقية لقد فطن الشخص المختبر إلى حب المدير للسمك لأنه يحتفظ به في صور كثيرة في شقته . ثم تأخذ السخرية بعداً هلاويسياً في (اللحم المرعب) يغفو التباع فيحلم أنه يقود سيارة وسط اللحم جثة يقابله كمين . يأمره الضابط أن يفتح صندوق السيارة فيفيق ويظل يهزي . تتكرر هذه الهلاووس في قصص (ملامح في بحر الضياع – قرية أم العفاريت – الواحدة بتوقيت المغفلين).
[2] محطة التقنية :
2-1 الســـرد : تأتي قصص المجموعة كقصص مواقف تغلفها الهموم والسخرية – لذلك يأتي السرد واقعياً من الحياة مع حنكته في السخرية فنرى السرد طويل الجمل متصل العبارات كذلك يأتي المشهد السردي ممتد ليصل القاص إلى منتهى الحكاية . السرد يأخذ أشكال متنوعة كما يلي :-
أ – سرد حكائي يقول من خلاله القاص السارد السرد والحكي المتصل دون تدخل . يتوفر السرد الحكائي في (ليلة القبض على التذكرة – على البر عوام – حالة حرب – الدوائر المفرغة – قرية أم العفاريت – ملاح في بحر الضياع – اللحم المرعب).
ب- سرد حواري هو الذي يسيطر فيه الحوار على مجريات القصة ويأخذ فيه الحوار بعداً هاما . فالحوار يسرد الأحداث ويحرك بنية القصة دون أن يقول السارد شيئاً – نرى السرد الحواري في قصتي (فرق جوهري – حوار في الهواء الـ .....) أما عن الحوار يأتي بالعامية عدا قصتي (فرق جوهري – حوار في الهواء الـ ...) يأتي الحوار فيهما فصيحاً .
2-2 البناء والحبكة : ينتمي الكاتب إلى الكتاب الذين يكتبون من وعن الحياة فالكتابة عنده متدفقة لأنه اختار لمجموعته أن تكون قصص مواقف لذلك تأتي الحبكة تقليدية مناسبة لما يطرحه – تأتي النهايات مفاجئة ومفارقة في قصص (هواجس الحظيرة – المقعد الخلفي – ملاح في بحر الضياع – اللحم المرعب – قرية أم العفاريت) يسيطر على بداية كل قصة وجهة نظر الكاتب وضعها بطريقة مقالية أو تعليقية . أيضاً في الحبكة استخدم التوازي بين الأشياء ليعطي مدلولاً رمزياً . كما نجد في – (هواجس الحظيرة)
البطة = الرجل كلاهما يدافع عن حقه البطة تضرب العصفور والرجل يغلق الباب في وجه عمال شركة الكهرباء .
الخادم = العصفور = عمال الشركة كل منهم يغتصب حق غيره .
- في (ليلة القبض على التذكرة)
القطار = الحياة = الحرب الخاسرة
المفتش والمحصل ورجل الأمن = الحلاق = القاضي = الجد = الحفيد .
- في (الدوائر المفرغة)
الحياة = الطابونة = شباك تذاكر المترو
مشكلة الأخت مع زوجها = الدوائر المفرغة .
أما عن البناء فنجد
1- التتابع والتدفق في السرد تغلب على قصص المجموعة .
2- قصة داخل قصة في (الواحدة بتوقيت المغفلين) .
3- حلم أو كابوس في قصص (ملاح في بحر الضياع – اللحم المرعب – قرية أم العفاريت) .
[3] وقفة مع الكتابة : رؤية
يشهد الإنسان في عصره سلسلة من الأحداث الكبرى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ساهمت هذه التغيرات في تعديل مفاهيم الفن والأخلاق وكل نواحي الحياة لذلك نجد أن الأدباء مدعون للتعبير عن هموم الإنسان فنجد تنوعاً وغزارة في الإنتاج الأدبي . في مجال القصة القصيرة تأثرت بالأحداث التي مرت بها مصر طبقاً للحراك السياسي والاجتماعي وتغير الخريطة الاقتصادية بين صعود طبقات وهبوط طبقات أخرى . عبرت القصة عبر تاريخها عن هذه الموجات . فالقصة هي التي ترد للناس إيمانهم بالوطن وتعمق الولاء للعمل وتشيع التفاؤل والأمل وتقوي روح المقاومة وتبشر بشيء جديد . لا تأتي القصة خطابية أو مقالية لأن هذا اختصاص فن أخر بعيداً عن الأدب فهذا جدير به المقال الصحفي . فالقصة ليست وعظاً ساخطاً . لكنها تأتي في سياق وثوب فني أدبي . تأتي هذه المجموعة تجسيداً لجزء كبير من هذه الرؤية فهي تختار موضوعات وشخصيات من الواقع لتضع هموم العصر تحت منظار لفت الانتباه وإن كان الكاتب وظف السخرية والتخاريف والهلاووس ليجسد رؤيته الفكرية والإنسانية فحاول الضرب بعمق في التجربة الحياتية في أغوار تحليل جوانب من النفس البشرية والتعليق على بعض تصرفات الأشخاص .
[4] الإطار النفسي: استنتاج
تكمن أهمية علم النفس والتحليل النفسي في الأدب أنه مظلة واسعة تندرج تحتها مسارات هامة مثل النمو الإنساني والتأويل . برز مع علم النفس مع ظهور سيجموند فرويد الذي يرى أن العمل الأدبي له طبقات متراكمة من الدلالة ولابد بالتالي من كشف غوامضه وأسراره . على الرغم من ظهور أنصار لهذا الاتجاه وظهور هجوم على هذا المنهج بقيت الأرضية الفرويدوية ممثلة في اللاوعي قائمة كمركز اهتمام . فالمرء يبني واقعه في علاقة أساسية مع رغباته المكبوته ومخاوفه . أصبح العمل الأدبي والفني بما فيها الأحلام والكوابيس هو محاولة إشباع رغبات أساسية متخيله أم كانت وليدة عالم الفانتازيا . يختلف مفهوم العملية الإبداعية تبعاً لنوع التحليل النفسي الذي يتبناه المحلل أو الناقد لأن العمل الأدبي يحمل دلالات نفسية للقارئ والمؤلف . في هذه المجموعة حاول الكاتب أن يسلك درباً وعرة في دروب علم النفس وهو التحليل واستخدام تقنيات نفسية حيث تبنى أسلوب الهلاووس أو الكابوس أو الحلم – في قصص (ملامح في بحر الضياع – قرية أم العفاريت – اللحم المرعب – حوار في الهواء الـ ....)
كما حاول تحليل شخصيات المجموعة طبقاً لضغوط الحياة الصادمة بحالة اللانظام في (الدوائر المفرغة) عندما حاول الرجل ضبط إيقاع الناس بالطابور والنظام لكنه ييأس من ذلك فيقرر العودة إلى منزله تاركاً أخته في مشكلاتها مع زوجها .
يواظب القاص على محاولة تحليل باقي الشخوص في المجموعة كما فعل مع الرجل الفائز في (القطة لا تأكل الجزرة) وأيضاً الرجل في (المقعد الخلفي) لأن الكاتب حاول وضع إطار نفسي لرسم وتحليل مواقف الشخصيات .
[6] محطة مضادة :سقطت المجموعة في فخ التعليق على الأحداث فالكاتب أقحم وجهة نظره معلقاً على الأحداث فالعمل الأدبي لا يحتمل الآراء الفكرية والحياتية للمؤلف لذلك نقف وقفة مضادة مع المجموعة فأرى حذف الآتي :
- صـ 21 من السطر الخامس إلى السطر السابع عشر .
- صـ 23 أول ثلاثة سطور وآخر ثلاثة سطور .
- صـ 30 آخر 4 سطور .
- صـ 31 أول خمسة سطور .
- صـ 39 من السطر الثالث عشر إلى السطر الثامن عشر .
- صـ 42 السطر السابع عبارة : مثل عقول كثيرة في ايامنا .
- صـ 52 آخر 3 سطور .
- صـ 66 السطر الثالث عشر عبارة : فقد يكون هذا أحد أعراض جنون الحموات في عصر الهرمونات المسرطنة إنه حظ صاحبنا السعيد .
- صـ 67 أو سطر عبارة : إن الدنيا تضيع البضائع الحزينة في أسواق الأفراح .
- صـ 67 السطر السابع عشر والثامن عشر عبارة : إن ما هو نار فإن الغابات الاستوائية المحترقة ستكون أقل من نيران الفلبين .
- صـ 70 آخر سطرين .
- صـ 71 كلها .
- صـ 72 أول ثلاثة عشر سطر .
- صـ 75 آخر ثلاثة سطور يقول : لذا لم يترك سنارته حزينة وكان الطعم من نوع جيد إلى آخر الفقرة .
تمت بحمد الله
رمضان أحمد عبدالله القاهرة في : 3/4/2010