نسيت بأنني امرأة

صديقي الحبيب محمد حافظ
أرى أن قراءة النص بهذا الشكل العمودى الذى كُتب به هو الأقرب والأسهل للقاريء،وربما ساعد كثيرا في فهمه،والوقوف على مايرمي إليه سيما أن موسيقاه وتفعيلاته الأربعة في كل سطر شعري
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
حين تكون متصلة الحروف ستكون أوقع على الأذن من انفصالها خاصة عندما تشترك حروف التفعيلة الثانية مع حروف التفعيلة الثالثة من كل سطر شعري،فالكتابة بشكل التفعيلة لن يكون يسيرا على المتلقي العادى الذي يحاول أن يفهم ويستمتع بالنص.ومثل هذا النص الذي تلعب الضمائر فيه دور البطولة في حاجة إلى تتضافر المعاني والصور بشكل جيد وليس إلي تباعدها حتى لاتشكل عبئا مضافا إلي أعباء لعبة الضمائر،والنص من عنوانه حمل القاريء مسئولية البحث عن صوت الأنثي ونسيت بأنني امرأة وكاتب النص شاعر وليس شاعرة مما سبب ارتباكا مصدره بعض الاستفسارات مثل: هل الأنوثة حقيقية أم مجازية؟ وهل الشاعر يتحدث بصوت الأنثي معبرا عنها على طريقة نزار قباني أم هي مجرد جملة قد تكون إحدى الجمل الواردة في النص؟ أم أراد الشاعر أن يثير فضول القاريء ويجذبه جذبا لقراءة النص باحثا عن بغيته فيه...؟ فيعمد إلي القراءة التى تبدأ آمرةً
كفى طبلا كفى زمرا....أثرتُم ميِّتَ الذِّكْرَى
والبيت كما نرى مصرع،أى ينتهي براء مفتوحة ممدوة في نهايتى شطريه،ويبدو أن الطبل والزمر كانا مؤثرين مرتبطين بالذكري الميتة فبعثاها من جديد،والطبل والزمر يدلان على الجلبة والأصوات العالية التى هى ربما مزعجة أكثر،منها مريحة،لذا أمر الشاعر بأن تكف وخص الفعل كفي لكل منهما على حده، ثم أكد أن المتكلمة أنثى فقال:أتيت أقول ناسية.......وهى التى لايجب أن تنسي....ثم يأتي ذكر كأس الموت،
وكأسُ الموت دوَّار رضِيْتُ بكأسه دورا
فلدينا الآن في المقطع الأول موتان :موت الذكرى،وموت الجسد،وأظن أن الشاعرغير موفق في استخدامه الفعل "رضيتُ" لأن الموت لن ينتظر منا الرضا أو عدم الرضا فهو قدر كل الكائنات، ولا تخيير فيه،كما لدينا ألفاظ ذات دلالة:الزيف،الخداع،الصبر،المر،القهر،الجراح،.....ولم أجد رابطا بين الموت وهذه المفردات سوى أن تتمناه المتكلمة لنفسها،ولم يشر الشاعر إلي الأسباب.....ثم يأتي المقطع الثاني يطلب أن نلتمس العذر ،فالقابض على الماء ليس كالقابض على الجمر،معتبرا أننا – الأحباب/المتلقي - من نقبض على الماء وهي القابضة على الجمر
كما جاء على لسان الشاعر
وليس القابض الماء الـ زلال كقابضٍ جمرا
ثم يعرض الشاعر صورا يدلل بها على ما كان من أحلام في الصغر لم تتحقق وتجمدت،فلم يشعرا بجمال الحياة ومتعتها،متأثرا بالصورة القرآنية في قوله
على عيني نَمَتْ صُغْرَى على عيني نمت كُبْرَى
ولم أسترح لقوله "فلا فر" وأراها قلقة رغم سلامة الوزن،......
نأتي إلي لعبة الضمائر،في البداية يقول:نسيتُ بأنني امرأة،ثم في المقطع الثالث
يقول: على عيني نَمَتْ صُغْرَى على عيني نمت كُبْرَى
وحين بدتْ تُظَلِّلُنَا ويَنْفَحُ زهرُهَا عِطْرَ
وتَقْطُرُ حُلْوَ أحلام حَلِمْنَاها مَعَا صُغْرَى
تجمَّدتْ الحياةُ بها فلمْ نشعرْ لها مَرَّا
تحطَّمَ قلبُها .. والآ هُ تَعْوِي خلفه ذُعْرا
فالفعلان: نمت،تقطر، يشيران إلي أن الخطاب لأنثى ،فهل المتكلم في المقطع الثالث مازال صوت الأنثى كما كان في المقطع الأول ؟أم هو صوت الشاعر نفسه الذي يقول :
على عيني نَمَتْ صُغْرَى على عيني نمت كُبْرَى
وإن كان صوت الشاعر،فمن تكون الأنثى المتحدثة في المقطع الأول؟ ومن الأنثى المقصودة في المقطع الثالث؟ ثم يستمر ضمير المخاطب للأنثى إلى آخر النص ويتضح ذلك من قوله
فقد كانتْ لنا أملا وكانت واحتي الخَضْرَا
والضمير في قوله: لأسكنَ جنبَها القبر النص مفتوح الدلالات،محير في مقصده،أشعر أنه مازال هناك الكثير لم يكتبه الشاعر،ولم يفصح عنه،به الكثير من الألم والمرارة،يتحدث عن الموت في بدايته ويتمنى الموت في نهايته،وربما الشطر الأخير في القصيدة هو الذي أغلقها على صاحبها وجعلها تجربة ذاتية بعيدة عن المضمون العام والهم الوطني،لأن الأوطان لا تموت؛لكن الشعوب تموت فداء للأوطان