حينما ننسى وتذكرنا الأشياء
قصة قصيرة
من وحي العام الجديد
مزقت أخر ورقة في نتيجة العام المنصرف ( كأنه ما صدق ) ، كان هناك خيط قوي ومتين يربطها ببدء كل عام ، ربما الأمل في أن يتغير ولو شئ بسيط في حياتها الراكدة والمملة التي تشبه السلحفاة في حركاتها وسكونها .
أخذت الورقة الأولى من العام الجديد والمجهول الذي يطل برأسه عليها دون أن تبدو له ملامح ، كتبت عليه من الخلف " كل عام وأنت لا تزال كما أنت " .
لم يكن هناك شئ يدفعها إلى ارتكاب مثل هذه الحماقة إلا ذلك الصوت الذي قالت لنفسها في غضب عندما سمعته " لو كان رجلا ً ، أي الصوت ، لقتلته الآن ، يوحي إليها بأنها وحيده بدونه ، وأنه لا عيب في أن تذهب إليه وتخبره أنها تحبه وتريد أن تظل بجانبه في أي وضع وتحت أي ظرف " .
وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا هو الدافع الوحيد ، بل ربما لجأت دون أن تشعر إلى هذه الحيلة كي يبدأ يوم جديد من عمرها ( الذي ما شعرت بأنه مضى إلا عندما قابلته ) إلا وقد كان معها حتى ولو برساله أو مكالمة محمول .
أرفقت مع أول ورقة في شهر يناير رسالة لم تكتبها بيدها ولا بدموعها ولا بكلمات جاءت من عقلها بل بكل ساعة وكل يوم وكل شهر عاشته معه خلال السنتين اللتين جمعتهما معا ً .
كتبت :-
- سأتذكرك كلما سعيت بكد وشرف في دنيتي بينما أنت بعيد تلهث وراء المال والجاه والسلطة بكل وسيلة تبررها الغاية أو لا .
- سأتذكرك وأشفق عليك كلما قرأت حديث رسولنا الكريم ( ص ) " تعس عبد الدينار " فأدعوا لك .
- سأتذكرك وأنا تائهة أو شاردة الذهن أراقب السيارات " تلك العادة السيئة التي تعلمتها منذ أن عرفتك " وأبتسم مؤكدة لنفسي " أكيد غير عربيته بأحدث موديل ، طبعا علشان تليق بالعروسة الجديدة ، ماهو مش معقول ميس إيجيبت ( اللي كان بيدور عليها ولاقاها فعلا ) تركب علبة الكبريت اللي كانت عنده دي .
- سأتذكرك إذا صحوت يوما ً لأجد صورتك ، ولن أتعجب ، قد وضعت على الدولار الأمريكي .
- سأتذكرك عندما أقرأ في جريدة الموعد خبر زفاف شقيقة فلان الفلاني على المليونير فلان الفلاني وسأحزن بشدة لأنك نجحت في بيعها " للأمله " الذي كنت تنتظره لتعوض خيبتك في الست الدكتوره أختك التي لم تفلح في إقصائها عن العريس اللي معجبكش وقلت " أيه يعني حتة ظابط في مباحث الأموال العامة ، مش ده الأمله اللي كنا منتظرينه ، أجوز أختي لظابط يبهدلها .
- سأتذكرك كلما سمعت عن حفلات السهر والرقص أو الشواء في شرم والغردقة وغيرها ، وأنت تلهو مع هذه وتلك .
- سأتذكرك كلما أستمع إلى عبد الحليم في أغنيته الرقيقة " حلو وكداب " ، وكلما أبكتني أم كلثوم حينما تقول " أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني " .
- سأتذكرك كلما وجدت نفسي مازلت أفكر فيك وأتسائل : -
كيف لإمرأه ناضجه مثلي أن تهواك ؟ !
وماذا عن قول الله عزوجل " الطيبات للطيبون " ؟ !
- سأتذكرك كلما أرتديت ملابسي واكسسواراتي التي لم تترك قطعة منها إلا ووضعت عليها نظرتك الحيوانية على الرغم من ثقتك الشديدة بأني لست ممن تعرفهن ولن أكون .
- سأتذكرك عندما أرى صورتك على شاشة التليفزيون وأنت تبدو عليك ملامح التصنع حين تطل علينا وتدعونا إلى زيارتك وأنت تكذب وتنافق من أجل شهرتك .
- سأتذكرك عندما أعرف أنك أنجبت ...... ولد أو بنت لا يهم ، سأشعر بالأسى من أجل ذلك الطفل المسكين لا لشئ إلا لأنك ستكون والده .
- سأتذكرك كلما قرأت قول المسيح ( عليه السلام ) " كن في وداعة الحمام وحكمة الحيات " .
- سأتذكرك كلما طل علينا ( مرسي ) وهو يعدنا في خطابه بما لا يفعل ، وكيف كنت تتحدث قائلا : " أنا مش عاجبني سعي الأخوان نحو السلطة بالطريقة دي ، الطمع وحش " هآع . هآع . أنت مصدق نفسك !
- سأتذكرك كلما سمعت أو عرفت أنك حصلت على جميع الشهادات والدرجات العليا التي تسعى من أجل تحقيقها كي تعلقها على الحائط ، في حين تناسيت كأي رجل شرقي أن تخلع الجلباب والحذاء اللذين ترتديهما في عقلك .
- سأتذكرك كلما سمعت صدفه عن حضورك لحفل زفاف أصحابك ، فأنا أعلم جيدا ً حرصك الشديد على أن تسلم كل ضحية من ضحاياك إلى عريسها يدا ً بيد ، ودائما ً ما يكون العريس صديقك والعروسة صديقتك ... عفوا ً كانت .
- سأتذكرك كلما أرى كل أم لم تحسن تربية إبنها المدلل وتركته هكذا يمتص رحيق كل زهرة ثم يتركها ذابله .
- سأتذكرك كلما قرأت أبيات الشعر القائله " انما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " وأسخر منك حين كنت ترددها بلا إيمان ولا مبدأ ... أخلاق إيه اللي بتتكلم عنها يا أخينا !
أنهت الرسالة بنفس الدعوة " كل عام وانت لا تزال كما أنت " .
لم تتوقع أبدا ً أن يرد عليها ، فالمكان الوحيد لأوراقها الشائكة وحبر قلمها المقدس سيكون لا محاله .... سلة المهملات .
لم تصدق نفسها وهي تتسلم من ساعي البريد رسالة كتب عليها :
المرسل : فلان الفلاني
قهقهت بصوت عالٍ بمجرد أن فتحتها ، ربما لأنها نجحت في إغاظته ، فهي تعرف جيدا ً أنه لا يتحمل أن يترك أحد يضايقه دون أن يرد له الصاع صاعين .
كانت كلماته ركيكة ، وخطه سيئ ، متعرج كالتلاميذ ، وإن كان ينم عن شخصيته .
رد عليها قائلا ً :
- لا أعدك للأسف بأني سأتذكرك لأنني لحسن الحظ لا أطيق سماع تلك التحف الموسيقية التي تعتادين سماعها والعيش في عالمها كالست ثومة وحليم وعبد الوهاب التي أراهن أنك لا تفهمين منها شئ .
علقت قائله : جاهل ومغرور .
- لن أتذكرك لأني لا أطيق فتح زجاج سيارتي الفارهه للمتشردون والمتسولون لأعطيهم الصدقه بلا داعٍ كما كنت تفعلين أيتها البلهاء .
- لن أتذكرك لأني ليس لدي وقت لقراءة الكتب و شعرك وقصصك الرومانسية التي تدعين فيها إلى الفضيلة والحب الأفلاطوني وست الحسن اللي اتجوزت الشاطر حسن .
- لن أتذكرك لأني واقعي ، ولم ولن نسمع أبدا ً عن أن الحقيقة والخيال كانا معا ً جنبا ً إلى جنب ، عمر النهار والليل ما كانوا في وقت واحد .
- لن أتذكرك لأني زي التكنولوجيا ، موجوده في كل شئ مع الإنسان مكان ما يروح ، اما أنتي زي الكتب مكانها الرفوف .
- لن أتذكرك لأني من أعرفهن يشعراني بأني رجل ..... من قال أني أحتاج إلى " أمـ " أخرى في حياتي تقول لي افعل هذا ولا تفعل ذلك وكأني طفل صغير .
- لن أتذكرك لأني لا أحتفظ برصاص مسدسي كي أقتل به كل يهودي يغتال براءة الطفل الفلسطيني والشاب المصري على الحدود كما تتمنين أنت ، بل لأدافع عن نفسي من أي لص يحاول سرقة ممتلكاتي .
- لن أتذكرك لأني لا أحلم مثلك بِأن يكون لدي جنيه ذهب أحتفظ به وكأنه ثروة قومية في حين أستطيع أن أجني الملايين التي تكرهينها ....
" كل عام وأنتي لا تزالين بلهاء "
بلبله 1/1/2013